المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
-- آداب الضيافة --
-- آداب الضيافة --
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله تعالى الحبيب محمد صلى الله عليه واّله وسلم
إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قد جاءت الكثير من الأحاديث الحاثة على إكرام الضيف والمبينة أنه من الإيمان، فالضيافة من آداب الإسلام وشرائعه وأحكامه، وهي من سنن المرسلين عليهم السلام، ومن أخلاق السلف رضوان الله عليهم، وللضيافة أحكام وآداب نذكرها فيما يلي:
الضيافة من سنن الآنبياء والمرسلين:
أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات:24]، فوصفهم بأنهم أُكرِموا. وقصته عليه السلام لما قدم لهم عجلاً حنيذًا نزلاً وضيافةً معروفة.
وأما لوطٌ عليه السلام فإنه كان يكرم الضيوف أيضًا، كيف لا وهو قد تعلم من إبراهيم عليه السلام، ولما جاءه ضيوفه وجاء قومه يهرعون إليه لعمل الفاحشة فدافعوه الباب حتى كادوا يغلبونه وهو يخاطبهم ﴿يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: 78]، وأخبر عز وجل أنهم راودوه عن ضيفه فطمس أعينهم ولم يرجمهم فقط، ولكن طمس أعينهم ثم رجمهم، وهذا دليلٌ على أهمية وخطورة إيذاء الضيف.
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان أعظم الناس في إكرام الضيف على الإطلاق، وقد وصفتْه خديجة بمثل ذلك من أيام الجاهلية، فلما دخل عليها فزعًا مما لقي في الغار بعد نزول سورة اقرأ وقال: «زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: «أي خديجة مالي لقد خشيت على نفسي؟» – فأخبرها الخبر – فقالت خديجة: «كلا. أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف».
الحث على إكرام الضيف:
عد النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف من علامات الإيمان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه … إلى آخر الحديث».
وفي الصحيحين أن أبا طلحة وامرأته رضى الله عنهما نزل بهما ضيف، فقال لامرأته: أعندكِ من القرى شيء؟ قالت: ليس إلا قوت العيال، فقال: هيئيه، فلما هيأته أطفأ المصباح، ووضع الطعام أمام الضيف، وجعلا يريانه أنهما يأكلان وهما لا يأكلان، فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عجب من صنيعكما البارحة»، فنزل قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩].
ومن الأحاديث القاضية بوجوب إكرام الضيف والندب إليه، ما رواه عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله! إنك تبعثنا، فننزل بقومٍ فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نزلتم بقومٍ فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم». ولفظ الترمذي: «إن أبوا إلا أن تأخذوا كرهًا فخذوا».
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه»، قالوا: يا رسول الله! وكيف يؤثمه؟ قال: «يقيم عنده، ولا شيء له يقريه به».
وذكر النووي الإجماع على الضيافة وأنها من متأكدات الإسلام.
والحديث عن آداب الضيافة ينقسم إلى شقين، هما آداب المضيف وهو صحب الضيافة، وآداب الضيف، وهو ما نوضحه فيما يلي:
أولاً: آداب المضيف:
بعض الناس يظن أن إكرام الضيف يقتصر على إطعامه الطعام فحسب، لكن مفهوم الضيافة وإكرام الضيف في الإسلام أشمل من معنى الإطعام وأوسع؛ إذ يدخل في إكرام الضيف ملاطفته وإيناسه، وحسن استقباله، والإقبال إليه بالوجه إذا تحدث، والحذر من الإشاحة عنه، أو السخرية بحديثه، وسأتناول هنا بعض هذه الآداب بمزيد من التفصيل:
استحباب الترحيب بالضيوف:
فعن ابن عباس رضى الله عنه قال: لما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مرحبًا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامي … الحديث»، والذي لا شك فيه أن استقبال الرجل لضيوفه بعبارات الترحيب وما شابهها، تدخل السرور والأنس عليهم، والواقع يصدقه.
مراعاة الضيف في الخطاب:
فلا تجرحه بأي كلمة ولو تعريضًا، وأنت جالس على المائدة، مثلاً لا تقل: قال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شرًا من بطنه»، هذا حديث صحيح، ولكن هذا ليس مكان التحديث.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أذكى وأعلم وأرحم الناس إذا أراد أن يعظ أصحابه موعظة جعل لها مناسبة، كما كان يمشي مع أصحابه ذات يوم فرأى جديًا أسكَّ مقطوع الأذن ميتًا ملقى على قارعة الطريق، فقال: «من يشتري هذا؟» فقالوا: ومن يشتري هذا يا رسول الله؟ والله لو كان حيًا ما اشتريناه – لأنه أسك مقطوع الأذن وهذا عيب فيه – فكيف وهو ميت، قال: «والله للدنيا أهون على الله من هذا على أحدكم»، فاختار صلى الله عليه وسلم مناسبة جيدة حتى يضمن أن الكلام قرع القلب.
أن يتجنب المضيف تكليف الضيف بعمل ولو خفيفًا:
فهذا من منكرات الضيافة ومسقطات المروءة، كأن يكون بالقرب من الزائر كتابٌ، فيطلب منه مناولته إياه، أو أن يكون بجانبه الزرّ الكهربائي، فيشير إليه بالضغط عليه؛ لإِنارة المنزل، أو أن يأمره بإدارة أقداح الشاي على الضيوف، أو نحو ذلك.
قال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «قال لي رجاء بن حيوة: ما رأيت رجلاً أكمل أدبًا، ولا أجمل عشرةً من أبيك؛ وذلك أني سهرت معه ليلة، فبينما نحن نتحدث إذ غشي المصباح، وقد نام الغلام، فقلت له: يا أمير المؤمنين، قد غشي المصباح، أفنوقظ الغلام؛ ليصلح المصباح؟ فقال: لا تفعل. فقلت: أفتأذن لي أن أصلحه؟ فقال: لا؛ لأنه ليس من المروءة أن يستخدم الإنسان ضيفه، ثم قام هو بنفسه، وحط رداءه عن منكبيه، وأتى إلى المصباح، فأصلحه، وجعل فيه الزيت، وأشخص الفتيل، ثم رجع وأخذ رداءه، وجلس، ثم قال: قمتُ وأنا عمرُ بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبدالعزيز».
أما إذا قام الزائر، وتكرّم بخدمة مزوره فلا بأس في ذلك، خصوصًا إذا كان المزور له حقٌّ، أو كان من أهل الفضل والعلم والتقى، أو كان الزائر ممن تُلغى الكلفة بينه وبين المَزُور.
بسط العذر له إذا تأخر:
فقد يحبسه حابس، فيتأخر قليلاً أو كثيرًا؛ فإذا أخذت بالعدل كان لك أن تعاتبه على تأخره، وإذا أخذت بالإحسان والتكرم بسطت له العذر، ولقيته بوجه وضّاح، وجبين طلق؛ فيكون ذلك إكرامًا آخر، خصوصًا إذا كان كريم الطبع، أم ممن ليس من عادته التأخر، وهب أنك أفرطت في عتابه، ثم أعطاك ظهره، وعاد أدراجه، ما مصيرُك أنت؟ لا شك أنك ستندم، ولات ساعة مندم.
ألا تحوج الضيف إلى مد يده:
فينبغي ألا تحوج الضيف إلى أن يمد يده، وهذا أدب نُعلمه لربات البيوت، أدب تنظيم المائدة، وتنظيم الأكل، حتى لا تحوج الضيف إلى أن يمد يده؛ بل يوضع من كل الأصناف أمام كل الضيوف، حتى لا يحتاج أحدٌ إلى أن يمدّ يده، فهذا أدب من آداب وضع الطعام.
الدخول بإذن والانصراف بعد الفراغ من الطعام:
وهذا أدبٌ بينه القرآن، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: 53]، حيث نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذن، والمؤمنون كذلك لا يدخلوا بيوت بعضهم إلا بإذن، فالنهي يدخل فيه جميع المؤمنين.
قال الشوكاني: فنهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك فمنعهم من الدخول، إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام.
تقديم الأكبر فالأكبر، وتقديم الأيمن فالأيمن:
ينبغي على من أضاف قومًا أن يقدم أكبرهم ويخصه بمزيد عناية، وذلك لحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في أيما حديث، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كَبِّر. فدفعته إلى الأكبر»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن؛ غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط».
استحباب الخروج مع الضيف إلى باب الدار:
وهذا من تمام الضيافة، وحسن الرعاية للضيف، وتأنيسه حتى يغادر الدار، و لا يثبت في ذلك خبر مرفوع صحيح يُعول عليه، إنما هي آثار عن سلف هذه الأمة وأئمتهم، نقتصر على واحدٍ منها: زار أبو عبيد القاسم بن سلام أحمد بن حنبل رحمه الله، قال أبو عبيد: «فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه …».
ثانيًا: آداب الضيف:
ألا يزيد عن ثلاثة أيام:
فعن أبي شريح العدوي قال: سمعتْ أذناي وأبصرت عيناي حيث تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته»، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه».
استحباب دعاء الضيف لأهل الطعام:
فقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد الصحابة فقرب إليه طعامًا، فأكل منه صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي رضى الله عنه وأخذ بلجام دابة النبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم». وعن أنسٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبزٍ وزيتٍ، فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلَّت عليكم الملائكة»، وفي حديث المقداد بن الأسود رضى الله عنه الطويل في احتلاب اللبن، وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أطعم من أطعمني واسق من أسقاني». قال النووي: فيه الدعاء للمحسن والخادم، ولمن يفعل خيرًا. والداعي فاعلٌ للخير.
ويحق للضيف إذا رأى منكرًا في بيت المضيف أن يرجع:
فعن علي رضى الله عنه، قال: صنعت طعامًا. فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع.
أن يجلس في مكان مناسب:
وذلك بألا يقعد في صدر المجلس، إلا إذا أذن صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت أحق بصدر مجلسه وصدر دابته من غيره.
وكذلك فإن الضيف إذا جلس في مكان فلا يجلس في المكان الذي يرى فيه الباب، ويرى ما وراء الباب إذا انفتح، وما وراء الستارة؛ حتى لا يطَّلع على عورات صاحب البيت.
وبما أن الضيافة تعتمد في كثيرًا على الدعوة، احتاج الأمر أن نذكر شيئًا من آداب الدعوة، من حيث الدعوة إليها، وحضورها، فيما يلي:
أولا: في الدعوة إليها:
1- أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق والفجرة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي».
2- أن لا يخص بضيافته الأغنياء دون الفقراء: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء».
3- أن لا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة: بل يقصد الاستنان بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله كإبراهيم عليه السلام، والذي كان يلقب بأبي الضيفان، كما ينوي بها إدخال السرور على المؤمنين، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان.
4- أن لا يدعو إليها من يعلم أنه يشق عليه الحضور: أو أنه يتأذّى ببعض الإخوان الحاضرين تجنبًا لأذية المؤمن، وأذيته محرمة.
ثانيًا: في آداب إجابتها:
1- أن يجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا من عذر: كأن يخشى ضررًا في دينه أو بدنه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من دُعي فليجب»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، أو أهدي إلى ذراع أو كراع لقبلت».
2- أن لا يميز في الإجابة بين الفقير والغني: لأن في عدم إجابة الفقير كسرًا لخاطره، ومما يروى في إجابة دعوة الفقراء أن الحسن بن على رضى الله عنه مر بمساكين، وقد نشروا كِسرًا على الأرض وهم يأكلون، فقالوا له: هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «نعم؛ إن الله لا يحب المتكبرين، ونزل من على بغلته وأكل معهم».
3- أن لا يفرق في الإجابة بين بعيد المسافة وقريبها: وإن وجهت إليه دعوتان أجاب السابقة منهما، واعتذر للآخر.
4- أن لا يتأخر من أجل صومه بل يحضر: فإن كان صاحبه يسر بأكله أفطر، لأن إدخال السرور على قلب المؤمن من الخير، وإلا دعا لهم بخير، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلِّ، وإن كان مفطرًا فليطعم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول: إني صائم، كل وصم يوما مكانه».
5- أن ينوى بإجابته إكرام أخيه المسلم ليثاب عليه: كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، إذ بالنية الصالحة ينال المرء الأجر الكبير وتنقلب العادة إلى عبادة .
ثالثًا: آداب حضورها:
1- أن لا يطيل الانتظار عليهم فيقلقهم: وأن لا يعجل المجيء فيفاجئهم قبل الاستعداد لما في ذلك من أذيتهم.
2- إذا دخل فلا يتصدر المجلس بل يتواضع في المجلس: وإذا أشار إليه صاحب المحل بالجلوس في مكان جلس فيه، ولا يفارقه.
3- أن يعجل بتقديم الطعام للضيف: لأن في تعجيله إكرامًا له، وقد أمر الشارع بإكرامه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
4- أن لا يبادر إلى رفع الطعام قبل أن ترفع الأيدي عنه: ويتم فراغ الجميع من الأكل.
5- أن يقدم لضيفه قدر الكفاية: إذ التقليل نقص في المروءة، والزيادة تنطع ومراءاة، وكلا الأمرين مذموم.
6- إذا نزل ضيفا على أحد فلا يزيدن على ثلاثة أيام: إلا أن يلح عليه مضيفه في الإقامة أكثر، وإذا انصرف استأذن لانصرافه.
7- أن يشيع الضيف بالخروج معه إلى خارج المنزل: لعمل السلف الصالح ذلك، ولأنه داخل تحت إكرام الضيف المأمور به شرعًا.
8- أن ينصرف الضيف طبيب النفس وإن جرى في حقه تقصير ما: لأن ذلك من حسن الخلق الذي يدرك به العبد درجة الصائم القائم.
9- أن يكون للمسلم ثلاثة فرش: أحدها له، والثاني لأهله، والثالث للضيف، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان».
هل يستضاف الكافر؟
يظهر الرد على هذا السؤال مما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضافه ضيفٌ كافر – يعني: نزل عليه – فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت، فشرب حلابها، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء»، والحديث يؤخذ منه جواز تضييف الكافر.
والأصل في جواز ضيافتهم هو تأليفهم لعلهم يتأثرون من باب الدعوة، أو إذا كانوا معاهدين فلهم حقوق المعاهدة، أما أن يدعو الإنسان كافرًا إلى بيته فيأتيه بنساءٍ عاريات أو يأتيه بنجسٍ أو بشركٍ وكفرٍ، فلا.
وإذا أضاف المسلم كافرًا هل يآكله، أم يقدم له الطعام فقط، ولا يجلس معه للأكل؟ يقول الإمام مالك رحمه الله: ترك مؤاكلة النصراني في إناء واحد أحب إليّ ولا أراه حرامًا، ولا نصادق نصرانيًّا. فنهى عن مآكلته لما في ذلك من معنى المصادقة، وأما تضييفه فيمكن أن يكون للاستئلاف، ورجاء الإسلام، فيكون فيه أجر إسلامه بإذن الله عز وجل.
إضاءات:
قالوا: من تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المؤاكلة.
قال حاتم الطائي:
سلي الجائع الغرثان يا أم منذر
هَلَ أبسط وجهي إنه أول القِرى
إذا ما أتاني بين ناري ومجزري وأبذل معروفي له دون منكري
وقال مسكين الدارمي:
لحافي لحاف الضيف والبيت بيته
أحدثه إن الحديث من القِرى
ولم يلهني عنه غزالٌ مْقَنَّعُ
وتعلم نَفسي أنه سوف يهجع
ويعني بالغزال المقنع: الزوجة.
وقيل للأوزاعي رحمه الله: ما إكرام الضيف؟ قال: «طلاقة الوجه، وطيب الكلام».
وقال ابن عباس رضى الله عنه: «أَعزُّ الناسِ عليَّ جليسي، الذي يتخطى الناس إلىَّ، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق عليَّ!».
قال دعبل:
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله تعالى الحبيب محمد صلى الله عليه واّله وسلم
إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قد جاءت الكثير من الأحاديث الحاثة على إكرام الضيف والمبينة أنه من الإيمان، فالضيافة من آداب الإسلام وشرائعه وأحكامه، وهي من سنن المرسلين عليهم السلام، ومن أخلاق السلف رضوان الله عليهم، وللضيافة أحكام وآداب نذكرها فيما يلي:
الضيافة من سنن الآنبياء والمرسلين:
أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات:24]، فوصفهم بأنهم أُكرِموا. وقصته عليه السلام لما قدم لهم عجلاً حنيذًا نزلاً وضيافةً معروفة.
وأما لوطٌ عليه السلام فإنه كان يكرم الضيوف أيضًا، كيف لا وهو قد تعلم من إبراهيم عليه السلام، ولما جاءه ضيوفه وجاء قومه يهرعون إليه لعمل الفاحشة فدافعوه الباب حتى كادوا يغلبونه وهو يخاطبهم ﴿يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: 78]، وأخبر عز وجل أنهم راودوه عن ضيفه فطمس أعينهم ولم يرجمهم فقط، ولكن طمس أعينهم ثم رجمهم، وهذا دليلٌ على أهمية وخطورة إيذاء الضيف.
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان أعظم الناس في إكرام الضيف على الإطلاق، وقد وصفتْه خديجة بمثل ذلك من أيام الجاهلية، فلما دخل عليها فزعًا مما لقي في الغار بعد نزول سورة اقرأ وقال: «زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: «أي خديجة مالي لقد خشيت على نفسي؟» – فأخبرها الخبر – فقالت خديجة: «كلا. أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف».
الحث على إكرام الضيف:
عد النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف من علامات الإيمان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه … إلى آخر الحديث».
وفي الصحيحين أن أبا طلحة وامرأته رضى الله عنهما نزل بهما ضيف، فقال لامرأته: أعندكِ من القرى شيء؟ قالت: ليس إلا قوت العيال، فقال: هيئيه، فلما هيأته أطفأ المصباح، ووضع الطعام أمام الضيف، وجعلا يريانه أنهما يأكلان وهما لا يأكلان، فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عجب من صنيعكما البارحة»، فنزل قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩].
ومن الأحاديث القاضية بوجوب إكرام الضيف والندب إليه، ما رواه عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله! إنك تبعثنا، فننزل بقومٍ فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نزلتم بقومٍ فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم». ولفظ الترمذي: «إن أبوا إلا أن تأخذوا كرهًا فخذوا».
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه»، قالوا: يا رسول الله! وكيف يؤثمه؟ قال: «يقيم عنده، ولا شيء له يقريه به».
وذكر النووي الإجماع على الضيافة وأنها من متأكدات الإسلام.
والحديث عن آداب الضيافة ينقسم إلى شقين، هما آداب المضيف وهو صحب الضيافة، وآداب الضيف، وهو ما نوضحه فيما يلي:
أولاً: آداب المضيف:
بعض الناس يظن أن إكرام الضيف يقتصر على إطعامه الطعام فحسب، لكن مفهوم الضيافة وإكرام الضيف في الإسلام أشمل من معنى الإطعام وأوسع؛ إذ يدخل في إكرام الضيف ملاطفته وإيناسه، وحسن استقباله، والإقبال إليه بالوجه إذا تحدث، والحذر من الإشاحة عنه، أو السخرية بحديثه، وسأتناول هنا بعض هذه الآداب بمزيد من التفصيل:
استحباب الترحيب بالضيوف:
فعن ابن عباس رضى الله عنه قال: لما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مرحبًا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامي … الحديث»، والذي لا شك فيه أن استقبال الرجل لضيوفه بعبارات الترحيب وما شابهها، تدخل السرور والأنس عليهم، والواقع يصدقه.
مراعاة الضيف في الخطاب:
فلا تجرحه بأي كلمة ولو تعريضًا، وأنت جالس على المائدة، مثلاً لا تقل: قال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شرًا من بطنه»، هذا حديث صحيح، ولكن هذا ليس مكان التحديث.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أذكى وأعلم وأرحم الناس إذا أراد أن يعظ أصحابه موعظة جعل لها مناسبة، كما كان يمشي مع أصحابه ذات يوم فرأى جديًا أسكَّ مقطوع الأذن ميتًا ملقى على قارعة الطريق، فقال: «من يشتري هذا؟» فقالوا: ومن يشتري هذا يا رسول الله؟ والله لو كان حيًا ما اشتريناه – لأنه أسك مقطوع الأذن وهذا عيب فيه – فكيف وهو ميت، قال: «والله للدنيا أهون على الله من هذا على أحدكم»، فاختار صلى الله عليه وسلم مناسبة جيدة حتى يضمن أن الكلام قرع القلب.
أن يتجنب المضيف تكليف الضيف بعمل ولو خفيفًا:
فهذا من منكرات الضيافة ومسقطات المروءة، كأن يكون بالقرب من الزائر كتابٌ، فيطلب منه مناولته إياه، أو أن يكون بجانبه الزرّ الكهربائي، فيشير إليه بالضغط عليه؛ لإِنارة المنزل، أو أن يأمره بإدارة أقداح الشاي على الضيوف، أو نحو ذلك.
قال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «قال لي رجاء بن حيوة: ما رأيت رجلاً أكمل أدبًا، ولا أجمل عشرةً من أبيك؛ وذلك أني سهرت معه ليلة، فبينما نحن نتحدث إذ غشي المصباح، وقد نام الغلام، فقلت له: يا أمير المؤمنين، قد غشي المصباح، أفنوقظ الغلام؛ ليصلح المصباح؟ فقال: لا تفعل. فقلت: أفتأذن لي أن أصلحه؟ فقال: لا؛ لأنه ليس من المروءة أن يستخدم الإنسان ضيفه، ثم قام هو بنفسه، وحط رداءه عن منكبيه، وأتى إلى المصباح، فأصلحه، وجعل فيه الزيت، وأشخص الفتيل، ثم رجع وأخذ رداءه، وجلس، ثم قال: قمتُ وأنا عمرُ بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبدالعزيز».
أما إذا قام الزائر، وتكرّم بخدمة مزوره فلا بأس في ذلك، خصوصًا إذا كان المزور له حقٌّ، أو كان من أهل الفضل والعلم والتقى، أو كان الزائر ممن تُلغى الكلفة بينه وبين المَزُور.
بسط العذر له إذا تأخر:
فقد يحبسه حابس، فيتأخر قليلاً أو كثيرًا؛ فإذا أخذت بالعدل كان لك أن تعاتبه على تأخره، وإذا أخذت بالإحسان والتكرم بسطت له العذر، ولقيته بوجه وضّاح، وجبين طلق؛ فيكون ذلك إكرامًا آخر، خصوصًا إذا كان كريم الطبع، أم ممن ليس من عادته التأخر، وهب أنك أفرطت في عتابه، ثم أعطاك ظهره، وعاد أدراجه، ما مصيرُك أنت؟ لا شك أنك ستندم، ولات ساعة مندم.
ألا تحوج الضيف إلى مد يده:
فينبغي ألا تحوج الضيف إلى أن يمد يده، وهذا أدب نُعلمه لربات البيوت، أدب تنظيم المائدة، وتنظيم الأكل، حتى لا تحوج الضيف إلى أن يمد يده؛ بل يوضع من كل الأصناف أمام كل الضيوف، حتى لا يحتاج أحدٌ إلى أن يمدّ يده، فهذا أدب من آداب وضع الطعام.
الدخول بإذن والانصراف بعد الفراغ من الطعام:
وهذا أدبٌ بينه القرآن، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: 53]، حيث نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذن، والمؤمنون كذلك لا يدخلوا بيوت بعضهم إلا بإذن، فالنهي يدخل فيه جميع المؤمنين.
قال الشوكاني: فنهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك فمنعهم من الدخول، إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام.
تقديم الأكبر فالأكبر، وتقديم الأيمن فالأيمن:
ينبغي على من أضاف قومًا أن يقدم أكبرهم ويخصه بمزيد عناية، وذلك لحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في أيما حديث، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كَبِّر. فدفعته إلى الأكبر»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن؛ غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط».
استحباب الخروج مع الضيف إلى باب الدار:
وهذا من تمام الضيافة، وحسن الرعاية للضيف، وتأنيسه حتى يغادر الدار، و لا يثبت في ذلك خبر مرفوع صحيح يُعول عليه، إنما هي آثار عن سلف هذه الأمة وأئمتهم، نقتصر على واحدٍ منها: زار أبو عبيد القاسم بن سلام أحمد بن حنبل رحمه الله، قال أبو عبيد: «فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه …».
ثانيًا: آداب الضيف:
ألا يزيد عن ثلاثة أيام:
فعن أبي شريح العدوي قال: سمعتْ أذناي وأبصرت عيناي حيث تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته»، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه».
استحباب دعاء الضيف لأهل الطعام:
فقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد الصحابة فقرب إليه طعامًا، فأكل منه صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي رضى الله عنه وأخذ بلجام دابة النبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم». وعن أنسٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبزٍ وزيتٍ، فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلَّت عليكم الملائكة»، وفي حديث المقداد بن الأسود رضى الله عنه الطويل في احتلاب اللبن، وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أطعم من أطعمني واسق من أسقاني». قال النووي: فيه الدعاء للمحسن والخادم، ولمن يفعل خيرًا. والداعي فاعلٌ للخير.
ويحق للضيف إذا رأى منكرًا في بيت المضيف أن يرجع:
فعن علي رضى الله عنه، قال: صنعت طعامًا. فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع.
أن يجلس في مكان مناسب:
وذلك بألا يقعد في صدر المجلس، إلا إذا أذن صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت أحق بصدر مجلسه وصدر دابته من غيره.
وكذلك فإن الضيف إذا جلس في مكان فلا يجلس في المكان الذي يرى فيه الباب، ويرى ما وراء الباب إذا انفتح، وما وراء الستارة؛ حتى لا يطَّلع على عورات صاحب البيت.
وبما أن الضيافة تعتمد في كثيرًا على الدعوة، احتاج الأمر أن نذكر شيئًا من آداب الدعوة، من حيث الدعوة إليها، وحضورها، فيما يلي:
أولا: في الدعوة إليها:
1- أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق والفجرة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي».
2- أن لا يخص بضيافته الأغنياء دون الفقراء: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء».
3- أن لا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة: بل يقصد الاستنان بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله كإبراهيم عليه السلام، والذي كان يلقب بأبي الضيفان، كما ينوي بها إدخال السرور على المؤمنين، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان.
4- أن لا يدعو إليها من يعلم أنه يشق عليه الحضور: أو أنه يتأذّى ببعض الإخوان الحاضرين تجنبًا لأذية المؤمن، وأذيته محرمة.
ثانيًا: في آداب إجابتها:
1- أن يجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا من عذر: كأن يخشى ضررًا في دينه أو بدنه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من دُعي فليجب»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، أو أهدي إلى ذراع أو كراع لقبلت».
2- أن لا يميز في الإجابة بين الفقير والغني: لأن في عدم إجابة الفقير كسرًا لخاطره، ومما يروى في إجابة دعوة الفقراء أن الحسن بن على رضى الله عنه مر بمساكين، وقد نشروا كِسرًا على الأرض وهم يأكلون، فقالوا له: هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «نعم؛ إن الله لا يحب المتكبرين، ونزل من على بغلته وأكل معهم».
3- أن لا يفرق في الإجابة بين بعيد المسافة وقريبها: وإن وجهت إليه دعوتان أجاب السابقة منهما، واعتذر للآخر.
4- أن لا يتأخر من أجل صومه بل يحضر: فإن كان صاحبه يسر بأكله أفطر، لأن إدخال السرور على قلب المؤمن من الخير، وإلا دعا لهم بخير، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلِّ، وإن كان مفطرًا فليطعم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول: إني صائم، كل وصم يوما مكانه».
5- أن ينوى بإجابته إكرام أخيه المسلم ليثاب عليه: كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، إذ بالنية الصالحة ينال المرء الأجر الكبير وتنقلب العادة إلى عبادة .
ثالثًا: آداب حضورها:
1- أن لا يطيل الانتظار عليهم فيقلقهم: وأن لا يعجل المجيء فيفاجئهم قبل الاستعداد لما في ذلك من أذيتهم.
2- إذا دخل فلا يتصدر المجلس بل يتواضع في المجلس: وإذا أشار إليه صاحب المحل بالجلوس في مكان جلس فيه، ولا يفارقه.
3- أن يعجل بتقديم الطعام للضيف: لأن في تعجيله إكرامًا له، وقد أمر الشارع بإكرامه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
4- أن لا يبادر إلى رفع الطعام قبل أن ترفع الأيدي عنه: ويتم فراغ الجميع من الأكل.
5- أن يقدم لضيفه قدر الكفاية: إذ التقليل نقص في المروءة، والزيادة تنطع ومراءاة، وكلا الأمرين مذموم.
6- إذا نزل ضيفا على أحد فلا يزيدن على ثلاثة أيام: إلا أن يلح عليه مضيفه في الإقامة أكثر، وإذا انصرف استأذن لانصرافه.
7- أن يشيع الضيف بالخروج معه إلى خارج المنزل: لعمل السلف الصالح ذلك، ولأنه داخل تحت إكرام الضيف المأمور به شرعًا.
8- أن ينصرف الضيف طبيب النفس وإن جرى في حقه تقصير ما: لأن ذلك من حسن الخلق الذي يدرك به العبد درجة الصائم القائم.
9- أن يكون للمسلم ثلاثة فرش: أحدها له، والثاني لأهله، والثالث للضيف، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان».
هل يستضاف الكافر؟
يظهر الرد على هذا السؤال مما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضافه ضيفٌ كافر – يعني: نزل عليه – فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت، فشرب حلابها، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء»، والحديث يؤخذ منه جواز تضييف الكافر.
والأصل في جواز ضيافتهم هو تأليفهم لعلهم يتأثرون من باب الدعوة، أو إذا كانوا معاهدين فلهم حقوق المعاهدة، أما أن يدعو الإنسان كافرًا إلى بيته فيأتيه بنساءٍ عاريات أو يأتيه بنجسٍ أو بشركٍ وكفرٍ، فلا.
وإذا أضاف المسلم كافرًا هل يآكله، أم يقدم له الطعام فقط، ولا يجلس معه للأكل؟ يقول الإمام مالك رحمه الله: ترك مؤاكلة النصراني في إناء واحد أحب إليّ ولا أراه حرامًا، ولا نصادق نصرانيًّا. فنهى عن مآكلته لما في ذلك من معنى المصادقة، وأما تضييفه فيمكن أن يكون للاستئلاف، ورجاء الإسلام، فيكون فيه أجر إسلامه بإذن الله عز وجل.
إضاءات:
قالوا: من تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المؤاكلة.
قال حاتم الطائي:
سلي الجائع الغرثان يا أم منذر
هَلَ أبسط وجهي إنه أول القِرى
إذا ما أتاني بين ناري ومجزري وأبذل معروفي له دون منكري
وقال مسكين الدارمي:
لحافي لحاف الضيف والبيت بيته
أحدثه إن الحديث من القِرى
ولم يلهني عنه غزالٌ مْقَنَّعُ
وتعلم نَفسي أنه سوف يهجع
ويعني بالغزال المقنع: الزوجة.
وقيل للأوزاعي رحمه الله: ما إكرام الضيف؟ قال: «طلاقة الوجه، وطيب الكلام».
وقال ابن عباس رضى الله عنه: «أَعزُّ الناسِ عليَّ جليسي، الذي يتخطى الناس إلىَّ، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق عليَّ!».
قال دعبل:
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
|
ابنة الاسلام- المشرفة العامة
- تاريخ التسجيل : 16/09/2012
رد: -- آداب الضيافة --
شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز
واصل/ي تالقك معنا في المنتدى
بارك الله فيك اخي /ي...
ننتظر منك الكثير من خلال ابداعاتك المميزة
لك منـــــــي اجمل تحية
|
خديجة نجيب- المديرة العامة النائبة الاولى
- تاريخ التسجيل : 12/10/2013
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى