المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
قال البخاري : حدثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا بن عليه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ).
معنى نفي الإيمان في هذا الحديث :
قال ابن بطال [1] : [يريد لا يبلغ حقيقة الإيمان وأعلى درجاته ]
قال الشيخ صالح آل الشيخ [2] [قوله : " لا يؤمن أحدكم " يعني : الإيمان الكامل ]
قال في شرح الطحاوية [3] : [المراد نفي الكمال ]
قال
الحافظ ابن حجر [4] : [ قوله : ( لا يؤمن ) أي إيماناً كاملاً ] ، و قال
[5]: [وفي كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان ؛ لأنه حمل المحبة
على معنى التعظيم والإجلال . وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا ؛
لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة ، إذ قد يجد الإنسان إعظام شيء مع
خلوه من محبته . قال : فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل
إيمانه ، وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في " الأيمان والنذور "
من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم "
لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال : لا والذي نفسي
بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك . فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب إلي
من نفسي . فقال : الآن يا عمر " انتهى .
فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط ، فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا ]
قال
الشيخ صالح الفوزان [6] : [وقوله: "لا يؤمن أحدكم" ليس نفياً لأصل
الإيمان، وإنما هو نفيٌ لكمال الإيمان، أي: لا يكمُل إيمان أحدكم هذا إذا
كان يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن لا يقدم محبته على
محبة غيره من الخلق.
أما إذا كان الإنسان لا يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلاً، بل يبِغض الرسول، فهذا كافر، أما الذي يحب
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه يقدِّم محبة ولده ووالده
على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا ناقصُ الإيمان،
بل لا يكمُل إيمان العبد ولا يتم حتى يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أحبَّ إليه من نفسه التي بين جنبيه، وأحب إليه من ولده الذي هو
بضْعَةٌ منه وجزءٌ منه، وأحب إليه من والده الذي هو أصله والمحسِن إليه،
وأحب إليه من النّاس أجمعين أيًّا كانوا ]
من فوائد هذا الحديث :
في
هذا الحديث بيان لأصل عظيم قام عليه هذا الدين المتين ، وهو كما أننا أمرنا
بعبادة رب واحد لا شريك له ، فقد أمرنا بإزاء ذلك أن نتبع نبياً ونطيعه
فيما قال و أمر ، و هذا من مقتضيات المحبة ، قال الحافظ ابن رجب في فتح
الباري [7] : [محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان وهي مقارنة
لمحبة الله عز وجل ، وقد قرنها الله بها ، وتوعد من قدم عليها شيء من
الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك ، فقال تعالى :
{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ } [ التوبة : 24] .
و
لما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحب إلي من كل شيء إلا من
نفسي فقال : ” لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ” فقال عمر : والله أنت
الآن أحب إلي من نفسي ، قال : ” الآن يا عمر ” .
فيجب تقديم محبة
الرسول صلى الله عليه وسلم على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال
والمساكين ، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة ، وإنما تتم المحبة
بالطاعة كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } [ آل عمران : 31 ]
وسئل بعضهم عن
المحبة ، فقال : الموافقة في جميع الأحوال. فعلامة تقديم محبة الرسول على
محبة كل مخلوق : أنه إذا تعارض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أوامره
وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة ، فإن قدم المرء طاعة
الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي : كان دليلا على صحة محبته للرسول
وتقديمها على كل شيء ، وإن قدم على طاعته وامتثال أوامره شيئا من هذه
الأشياء المحبوبة طبعا : دل ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه
. وكذلك القول في تعارض محبة الله ومحبة داعي الهوى والنفس ، فإن محبة
الرسول تبع لمحبة مرسله عز وجل .
هذا كله في امتثال الواجبات وترك
المحرمات . فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة ، فإن بلغت المحبة على
تقديم المندوبات على دواعي النفس كان ذلك علامة كمال الإيمان وبلوغه إلى
درجة المقربين والمحبوبين المتقربين بالنوافل بعد الفرائض ، وإن لم تبلغ
هذه المحبة إلى الدرجة فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبتهم
ولم يزيدوا عليها ]
و قال الإمام النووي [8] : [قال الإمام أبو سليمان
الخطابي : لم يرد به حب الطبع ، بل أراد به حب الاختيار ، لأن حب الإنسان
نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه . قال : فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في
طاعتي نفسك ، وتؤثر رضاي على هواك ، وإن كان فيه هلاكك . هذا كلام الخطابي .
وقال ابن بطال ، والقاضي عياض ، وغيرهما رحمة الله عليهم : المحبة ثلاثة أقسام :
- محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ،
- ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ،
- ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس
فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته .
قال
ابن بطال رحمه الله : ومعنى الحديث : أن من استكمل الإيمان علم أن حق
النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأن
به صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار ، وهدينا من الضلال .
قال
القاضي عياض رحمه الله : ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصرة سنته ، والذب
عن شريعته ، وتمني حضور حياته ؛ فيبذل ماله ونفسه دونه .
قال : وإذا
تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك ، ولا يصح الإيمان
إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد ، وولد
، ومحسن ، ومفضل . ومن لم يعتقد هذا ، واعتقد سواه ، فليس بمؤمن . هذا
كلام القاضي رحمه الله . والله أعلم ]
فالمطلوب من المسلم أن يقدم حب
النبي صلى الله عليه وسلم على كل محبوب من ولد و أب و مال ، و المطلوب منه
إيثار نبيه الذي هو أولى به من أقرب أقربائه ، و الذي كان سبب في نعمة
الإسلام له ، تلك النعمة العظيمة التي لا تقارن بأخرى ففيها فلاح العبد في
الآخرة و الدنيا قال السيوطي [9] : [ قال الحليمي : أصل هذا الباب أن تقف
على مدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم و المحاسن الثابته له في نفسه ، ثم
على حسن آثاره في دين الله ، و ما يجب له من الحق على امته شرعاً وعادة ،
فمن أحاط بذلك وسلم عقله ، علم أنه أحق بالمحبة من الوالد الفاضل في نفسه
البر الشفيق على ولده ]
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين [10] رحمه الله
: [ فالواجب أن نقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة كل أحد ؛
على محبة الولد و الوالد و الأهل و المال و النفس أيضاً .
ولكن إذا قال قائل : كيف الطريق إلى ذلك و ما هي العلامة ؟
فالجواب
أن نقول : أما العلامة فهي أن نقدم أمر الرسول عليه الصلاة و السلام على
هوى نفسك ؛ فإن هذا هو أكبر علامة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب
إليك من نفسك ، فإذا أمر الرسول بشيء و نفسك تهوى أن لا تفعل ، أو نهى عن
شيء و نفسك تهوى أن تفعله ، ثم خالفت النفس فمعنى هذا أن الرسول عليه
الصلاة و السلام أحب إليك من نفسك ، و إلا لاتبعت هوى نفسك ، و تركت أمر
الرسول .
ثم إن الإنسان كلما ازداد استحضاراً لمتابعة الرسول عليه
الصلاة و السلام في أعماله ، و أخلاقه فإنه تزداد محبته للرسول ؛ يعني :
أنك لو كنت تستشعر عند الوضوء و الصلاة و الصيام و غيرها من العبادات و
كذلك في معاملة الناس بالأخلاق الفاضلة و الإحسان إليهم أنك بذلك متأسّ
يالرسول عليه الصلاة و السلام و متابع له ، فإن ذلك يُنمي محبتك له و يجعلك
تابعاً له متابعة تامة ]
و اعلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول أهل السنة يدعون إليها و لا يتهاونون فيها :
قال
الشيخ صالح الفوزان [11] : [ ففي هذا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
واجبة ومقدمة على محبة كل شيء سوى محبة اللّه ، فإنها تابعة لها لازمة لها ،
لأنها محبة في اللّه ولأجله ، تزيد بزيادة محبة اللّه في قلب المؤمن وتنقص
بنقصها ، وكل من كان محبّا للّه فإنما يحب في اللّه ولأجله . ومحبته صلى
الله عليه وسلم تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد
من الخلق وتعظيم سنته .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وكل محبة
وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة اللّه وتعظيمه ، كمحبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتعظيمه فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه ، فإن أمته
يحبونه لمحبة اللّه له ويعظمونه ويجلونه لإجلال اللّه له ، فهي محبة من
موجبات محبة اللّه والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى اللّه عليه
من المهابة والمحبة . ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صدره
من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدور أصحابه رضي اللّه عنهم .
قال
عمرو بن العاص بعد إسلامه : إنه لم يكن شخص أبغض إليَّ منه . فلما أسلمت لم
يكن شخص أحب إليه منه ، ولا أجل في عينه منه ، قال : ولو سئلت أن أصفه لكم
لما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له (متفق عليه ) ، وقال عروة
بن مسعود لقريش : يا قوم واللّه لقد وفدت إلى كسرى وقيصر والملوك فما رأيت
ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم ، واللّه
ما يحدون النظر إليه تعظيما له ، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم
فيدلك بها وجهه وصدره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه (متفق عليه ) ]
و
قال في إعانة المستفيد [12]: [وهذا يقتضي أن الإنسان يقدِّم طاعة الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طاعة غيره: فإذا أمرك الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر وأمرك والدك أو ولدك أو أحد من النّاس
بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجب عليك
معصية هذا الآمر وطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو
الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن لا تقدّم
على محبته شيئاً، ولا تقدّم على طاعة الرسول شيئاً، فإذا أمرك أحد بمخالفة
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تطعه ولو كان أقرب النّاس
إليك ولو كان أحب النّاس إليك، فطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مقدَّمة، وهي ثمرة محبته ومن علامات محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ما لم يشرعه الرسول من البدع والمحدثات لقول النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"
أي مردود عليه عمله هذا.
أما الذي يدّعي أنه يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُقيم الموالد والاحتفالات المبتدعة، والرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاه عن البدع والمحدثات، فلا يطيعه، وإنما
يطيع المخرِّفين والدجَّالين في هذا، فهذا كاذبٌ في محبّته للرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نهى عن البدع والمحدَثات والخُرافات ولو كان النّاس عليها ولو كان عليها
أبوك أو ابنك أو أقرب النّاس إليك، فمن كان عنده بدعة ومخالفة للرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته، فإذا أطعته فإن هذا
دليل على عدم صدق محبتك للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالحاصل؛
أنه ليس الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوى
تُقال، أو احتفال يُقام، لأن الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متابعته، وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب
ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاَّ بما شرع عليه الصلاة والسلام.
هذا هو الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن لا
نقبل الدعوى، وإنما نقبل الدليل على الدعوى.
فالذين يعملون بالسنّة
ويتركون البدع فهذا دليلٌ على محبتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أما الذين يدّعون أنهم يحبُّون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ولكنهم يخالفونه فيرتكبون ما نهى عنه ويتركون ما أمر به طاعةً
لأنفسهم أو طاعة لغيرهم فإن هذا دليل على عدم صدقهم في محبتهم للرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من
ولده ووالده والنّاس أجمعين" بل ومن نفسه.
فإذا أراد أحدٌ منّا أن يختبر
إيمانه فلينظر إلى موقع هذا الحديث منه ويطبِّقه على نفسه، هل هو يحب
الرسول، أحب إليه من نفسه، هل يحب الرسول أحب إليه من والده وولده والنّاس
أجمعين؟، فإن كان كذلك فهو يحبُّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، والدليل على ذلك- كما ذكرنا-: الموافقة للرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أوامره وترك نواهيه واجتناب البدع والمحدثات
التي نهى عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان عليها
أقرب النّاس إليه أو أحب النّاس إليه، يتركها طاعةً لله وطاعةً لرسوله،
ومحبةً لله ومحبةً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فدل هذا
الحديث: على وجوب محبة الرسول بعد محبة الله عزّ وجلّ، وأن محبة الله ومحبة
رسوله تقتضيان المتابعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم
المخالفة، وأنه لو أمرك أيُّ أحدٍ من الناس بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته ورفض ما يأمرك به، والأخذ بأمر
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تجب محبة الله عزّ وجلّ
تجب محبة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: {وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ] ا.هـ
قال الحافظ ابن رجب
في فتح الباري [13] : [ وأما محبة الرسول : فتنشأ عن معرفته ومعرفة كماله
وأوصافه وعظم ما جاء به ، وينشأ ذلك في معرفة مرسله وعظمته - كما سبق - ،
فإن محبة الله لا تتم إلا بطاعته ، ولا سبيل إلى طاعته إلا بمتابعة رسوله ،
كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } [ آل عمران : 31] ومحبة الرسول على درجتين – أيضا :
إحداهما
: فرض ، وهي ما اقتضى طاعته في امتثال ما أمر به من الواجبات والانتهاء
عما نهى عنه من المحرمات والرضى بذلك ، وأن لا يجد في نفسه حرجا مما جاء به
ويسلم له تسليما ، وأن لا يتلقى الهدى من غير مشكاته ولا يطلب شيئا من
الخير إلا مما جاء به .
الدرجة الثانية : فضل مندوب إليه ، وهي : ما
ارتقى بعد ذلك إلى اتباع سنته وآدابه وأخلاقه والاقتداء به في هديه وسمته
وحسن معاشرته لأهله وإخوانه وفي التخلق بأخلاقه الظاهرة في الزهد في الدنيا
والرغبة في الآخرة وفي جوده وإيثاره وصفحه وحلمه واحتماله وتواضعه ، وفي
أخلاقه الباطنة من كمال خشيته لله ومحبته له وشوقه إلى لقائه ورضاه بقضائه
وتعلق قلبه به دائما وصدق الالتجاء إليه والتوكل والاعتماد عليه ، وقطع
تعلق القلب بالأسباب كلها ودوام لهج القلب واللسان بذكره والأنس به والتنعم
بالخلوة بمناجاته ودعائه وتلاوة كتابه بالتدبر والتفكر ] ا.هـ
و في الحديث من الفوائد أكثر مما ذكرنا ، و المقام مقام اختصار ، و الله الموفق لا رب سواه .
[1] في شرحه على صحيح البخاري [11/101] .
[2] التمهيد لشرح كتاب التوحيد ، صالح إبراهيم آل الشيخ ، دار التوحيد ، ط1 / 1424 ، [2/10]
[3] شرح العقيدة الطحاوية ابن أبي العز الحنفي ، تخريج : ناصر الدين الألباني ، دار السلام ، مصر ، 1426، [1/343]
[4] فتح الباري [1/80]
[5] [1/81]
[6] إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ، صالح بن فوزان الفوزان ، مؤسسة الرسالة ، ط3/ 1423 ، [2/41]
[7] [1/22]
[8] في شرحه على صحيح مسلم [1/205] .
[9] سنن النسائي بحاشية الإمامين السيوطي و السندي ، تحقيق علي محمد علي و آخرون ، دار الحديث بالقاهرة ، ط1/1420 ، [4/451] .
[10] في شرحه على صحيح البخاري [1/63]
[11] عقيدة التوحيد ، الشيخ صالح الفوزان ، دارالقاسم ، الرياض صفحة [149] .
[12] إعانة المستفيد ، [2/41 – 43] .
[13] فتح الباري [1/24]
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ).
معنى نفي الإيمان في هذا الحديث :
قال ابن بطال [1] : [يريد لا يبلغ حقيقة الإيمان وأعلى درجاته ]
قال الشيخ صالح آل الشيخ [2] [قوله : " لا يؤمن أحدكم " يعني : الإيمان الكامل ]
قال في شرح الطحاوية [3] : [المراد نفي الكمال ]
قال
الحافظ ابن حجر [4] : [ قوله : ( لا يؤمن ) أي إيماناً كاملاً ] ، و قال
[5]: [وفي كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان ؛ لأنه حمل المحبة
على معنى التعظيم والإجلال . وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا ؛
لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة ، إذ قد يجد الإنسان إعظام شيء مع
خلوه من محبته . قال : فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل
إيمانه ، وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في " الأيمان والنذور "
من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم "
لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال : لا والذي نفسي
بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك . فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب إلي
من نفسي . فقال : الآن يا عمر " انتهى .
فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط ، فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا ]
قال
الشيخ صالح الفوزان [6] : [وقوله: "لا يؤمن أحدكم" ليس نفياً لأصل
الإيمان، وإنما هو نفيٌ لكمال الإيمان، أي: لا يكمُل إيمان أحدكم هذا إذا
كان يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن لا يقدم محبته على
محبة غيره من الخلق.
أما إذا كان الإنسان لا يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلاً، بل يبِغض الرسول، فهذا كافر، أما الذي يحب
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه يقدِّم محبة ولده ووالده
على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا ناقصُ الإيمان،
بل لا يكمُل إيمان العبد ولا يتم حتى يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أحبَّ إليه من نفسه التي بين جنبيه، وأحب إليه من ولده الذي هو
بضْعَةٌ منه وجزءٌ منه، وأحب إليه من والده الذي هو أصله والمحسِن إليه،
وأحب إليه من النّاس أجمعين أيًّا كانوا ]
من فوائد هذا الحديث :
في
هذا الحديث بيان لأصل عظيم قام عليه هذا الدين المتين ، وهو كما أننا أمرنا
بعبادة رب واحد لا شريك له ، فقد أمرنا بإزاء ذلك أن نتبع نبياً ونطيعه
فيما قال و أمر ، و هذا من مقتضيات المحبة ، قال الحافظ ابن رجب في فتح
الباري [7] : [محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان وهي مقارنة
لمحبة الله عز وجل ، وقد قرنها الله بها ، وتوعد من قدم عليها شيء من
الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك ، فقال تعالى :
{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ } [ التوبة : 24] .
و
لما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحب إلي من كل شيء إلا من
نفسي فقال : ” لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ” فقال عمر : والله أنت
الآن أحب إلي من نفسي ، قال : ” الآن يا عمر ” .
فيجب تقديم محبة
الرسول صلى الله عليه وسلم على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال
والمساكين ، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة ، وإنما تتم المحبة
بالطاعة كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } [ آل عمران : 31 ]
وسئل بعضهم عن
المحبة ، فقال : الموافقة في جميع الأحوال. فعلامة تقديم محبة الرسول على
محبة كل مخلوق : أنه إذا تعارض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أوامره
وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة ، فإن قدم المرء طاعة
الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي : كان دليلا على صحة محبته للرسول
وتقديمها على كل شيء ، وإن قدم على طاعته وامتثال أوامره شيئا من هذه
الأشياء المحبوبة طبعا : دل ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه
. وكذلك القول في تعارض محبة الله ومحبة داعي الهوى والنفس ، فإن محبة
الرسول تبع لمحبة مرسله عز وجل .
هذا كله في امتثال الواجبات وترك
المحرمات . فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة ، فإن بلغت المحبة على
تقديم المندوبات على دواعي النفس كان ذلك علامة كمال الإيمان وبلوغه إلى
درجة المقربين والمحبوبين المتقربين بالنوافل بعد الفرائض ، وإن لم تبلغ
هذه المحبة إلى الدرجة فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبتهم
ولم يزيدوا عليها ]
و قال الإمام النووي [8] : [قال الإمام أبو سليمان
الخطابي : لم يرد به حب الطبع ، بل أراد به حب الاختيار ، لأن حب الإنسان
نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه . قال : فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في
طاعتي نفسك ، وتؤثر رضاي على هواك ، وإن كان فيه هلاكك . هذا كلام الخطابي .
وقال ابن بطال ، والقاضي عياض ، وغيرهما رحمة الله عليهم : المحبة ثلاثة أقسام :
- محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ،
- ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ،
- ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس
فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته .
قال
ابن بطال رحمه الله : ومعنى الحديث : أن من استكمل الإيمان علم أن حق
النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأن
به صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار ، وهدينا من الضلال .
قال
القاضي عياض رحمه الله : ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصرة سنته ، والذب
عن شريعته ، وتمني حضور حياته ؛ فيبذل ماله ونفسه دونه .
قال : وإذا
تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك ، ولا يصح الإيمان
إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد ، وولد
، ومحسن ، ومفضل . ومن لم يعتقد هذا ، واعتقد سواه ، فليس بمؤمن . هذا
كلام القاضي رحمه الله . والله أعلم ]
فالمطلوب من المسلم أن يقدم حب
النبي صلى الله عليه وسلم على كل محبوب من ولد و أب و مال ، و المطلوب منه
إيثار نبيه الذي هو أولى به من أقرب أقربائه ، و الذي كان سبب في نعمة
الإسلام له ، تلك النعمة العظيمة التي لا تقارن بأخرى ففيها فلاح العبد في
الآخرة و الدنيا قال السيوطي [9] : [ قال الحليمي : أصل هذا الباب أن تقف
على مدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم و المحاسن الثابته له في نفسه ، ثم
على حسن آثاره في دين الله ، و ما يجب له من الحق على امته شرعاً وعادة ،
فمن أحاط بذلك وسلم عقله ، علم أنه أحق بالمحبة من الوالد الفاضل في نفسه
البر الشفيق على ولده ]
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين [10] رحمه الله
: [ فالواجب أن نقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة كل أحد ؛
على محبة الولد و الوالد و الأهل و المال و النفس أيضاً .
ولكن إذا قال قائل : كيف الطريق إلى ذلك و ما هي العلامة ؟
فالجواب
أن نقول : أما العلامة فهي أن نقدم أمر الرسول عليه الصلاة و السلام على
هوى نفسك ؛ فإن هذا هو أكبر علامة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب
إليك من نفسك ، فإذا أمر الرسول بشيء و نفسك تهوى أن لا تفعل ، أو نهى عن
شيء و نفسك تهوى أن تفعله ، ثم خالفت النفس فمعنى هذا أن الرسول عليه
الصلاة و السلام أحب إليك من نفسك ، و إلا لاتبعت هوى نفسك ، و تركت أمر
الرسول .
ثم إن الإنسان كلما ازداد استحضاراً لمتابعة الرسول عليه
الصلاة و السلام في أعماله ، و أخلاقه فإنه تزداد محبته للرسول ؛ يعني :
أنك لو كنت تستشعر عند الوضوء و الصلاة و الصيام و غيرها من العبادات و
كذلك في معاملة الناس بالأخلاق الفاضلة و الإحسان إليهم أنك بذلك متأسّ
يالرسول عليه الصلاة و السلام و متابع له ، فإن ذلك يُنمي محبتك له و يجعلك
تابعاً له متابعة تامة ]
و اعلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول أهل السنة يدعون إليها و لا يتهاونون فيها :
قال
الشيخ صالح الفوزان [11] : [ ففي هذا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
واجبة ومقدمة على محبة كل شيء سوى محبة اللّه ، فإنها تابعة لها لازمة لها ،
لأنها محبة في اللّه ولأجله ، تزيد بزيادة محبة اللّه في قلب المؤمن وتنقص
بنقصها ، وكل من كان محبّا للّه فإنما يحب في اللّه ولأجله . ومحبته صلى
الله عليه وسلم تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد
من الخلق وتعظيم سنته .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وكل محبة
وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة اللّه وتعظيمه ، كمحبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتعظيمه فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه ، فإن أمته
يحبونه لمحبة اللّه له ويعظمونه ويجلونه لإجلال اللّه له ، فهي محبة من
موجبات محبة اللّه والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى اللّه عليه
من المهابة والمحبة . ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صدره
من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدور أصحابه رضي اللّه عنهم .
قال
عمرو بن العاص بعد إسلامه : إنه لم يكن شخص أبغض إليَّ منه . فلما أسلمت لم
يكن شخص أحب إليه منه ، ولا أجل في عينه منه ، قال : ولو سئلت أن أصفه لكم
لما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له (متفق عليه ) ، وقال عروة
بن مسعود لقريش : يا قوم واللّه لقد وفدت إلى كسرى وقيصر والملوك فما رأيت
ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم ، واللّه
ما يحدون النظر إليه تعظيما له ، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم
فيدلك بها وجهه وصدره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه (متفق عليه ) ]
و
قال في إعانة المستفيد [12]: [وهذا يقتضي أن الإنسان يقدِّم طاعة الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طاعة غيره: فإذا أمرك الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر وأمرك والدك أو ولدك أو أحد من النّاس
بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجب عليك
معصية هذا الآمر وطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو
الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن لا تقدّم
على محبته شيئاً، ولا تقدّم على طاعة الرسول شيئاً، فإذا أمرك أحد بمخالفة
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تطعه ولو كان أقرب النّاس
إليك ولو كان أحب النّاس إليك، فطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مقدَّمة، وهي ثمرة محبته ومن علامات محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ما لم يشرعه الرسول من البدع والمحدثات لقول النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"
أي مردود عليه عمله هذا.
أما الذي يدّعي أنه يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُقيم الموالد والاحتفالات المبتدعة، والرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاه عن البدع والمحدثات، فلا يطيعه، وإنما
يطيع المخرِّفين والدجَّالين في هذا، فهذا كاذبٌ في محبّته للرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نهى عن البدع والمحدَثات والخُرافات ولو كان النّاس عليها ولو كان عليها
أبوك أو ابنك أو أقرب النّاس إليك، فمن كان عنده بدعة ومخالفة للرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته، فإذا أطعته فإن هذا
دليل على عدم صدق محبتك للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالحاصل؛
أنه ليس الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوى
تُقال، أو احتفال يُقام، لأن الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متابعته، وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب
ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاَّ بما شرع عليه الصلاة والسلام.
هذا هو الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن لا
نقبل الدعوى، وإنما نقبل الدليل على الدعوى.
فالذين يعملون بالسنّة
ويتركون البدع فهذا دليلٌ على محبتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أما الذين يدّعون أنهم يحبُّون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ولكنهم يخالفونه فيرتكبون ما نهى عنه ويتركون ما أمر به طاعةً
لأنفسهم أو طاعة لغيرهم فإن هذا دليل على عدم صدقهم في محبتهم للرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من
ولده ووالده والنّاس أجمعين" بل ومن نفسه.
فإذا أراد أحدٌ منّا أن يختبر
إيمانه فلينظر إلى موقع هذا الحديث منه ويطبِّقه على نفسه، هل هو يحب
الرسول، أحب إليه من نفسه، هل يحب الرسول أحب إليه من والده وولده والنّاس
أجمعين؟، فإن كان كذلك فهو يحبُّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، والدليل على ذلك- كما ذكرنا-: الموافقة للرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أوامره وترك نواهيه واجتناب البدع والمحدثات
التي نهى عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان عليها
أقرب النّاس إليه أو أحب النّاس إليه، يتركها طاعةً لله وطاعةً لرسوله،
ومحبةً لله ومحبةً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فدل هذا
الحديث: على وجوب محبة الرسول بعد محبة الله عزّ وجلّ، وأن محبة الله ومحبة
رسوله تقتضيان المتابعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم
المخالفة، وأنه لو أمرك أيُّ أحدٍ من الناس بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته ورفض ما يأمرك به، والأخذ بأمر
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تجب محبة الله عزّ وجلّ
تجب محبة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: {وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ] ا.هـ
قال الحافظ ابن رجب
في فتح الباري [13] : [ وأما محبة الرسول : فتنشأ عن معرفته ومعرفة كماله
وأوصافه وعظم ما جاء به ، وينشأ ذلك في معرفة مرسله وعظمته - كما سبق - ،
فإن محبة الله لا تتم إلا بطاعته ، ولا سبيل إلى طاعته إلا بمتابعة رسوله ،
كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } [ آل عمران : 31] ومحبة الرسول على درجتين – أيضا :
إحداهما
: فرض ، وهي ما اقتضى طاعته في امتثال ما أمر به من الواجبات والانتهاء
عما نهى عنه من المحرمات والرضى بذلك ، وأن لا يجد في نفسه حرجا مما جاء به
ويسلم له تسليما ، وأن لا يتلقى الهدى من غير مشكاته ولا يطلب شيئا من
الخير إلا مما جاء به .
الدرجة الثانية : فضل مندوب إليه ، وهي : ما
ارتقى بعد ذلك إلى اتباع سنته وآدابه وأخلاقه والاقتداء به في هديه وسمته
وحسن معاشرته لأهله وإخوانه وفي التخلق بأخلاقه الظاهرة في الزهد في الدنيا
والرغبة في الآخرة وفي جوده وإيثاره وصفحه وحلمه واحتماله وتواضعه ، وفي
أخلاقه الباطنة من كمال خشيته لله ومحبته له وشوقه إلى لقائه ورضاه بقضائه
وتعلق قلبه به دائما وصدق الالتجاء إليه والتوكل والاعتماد عليه ، وقطع
تعلق القلب بالأسباب كلها ودوام لهج القلب واللسان بذكره والأنس به والتنعم
بالخلوة بمناجاته ودعائه وتلاوة كتابه بالتدبر والتفكر ] ا.هـ
و في الحديث من الفوائد أكثر مما ذكرنا ، و المقام مقام اختصار ، و الله الموفق لا رب سواه .
[1] في شرحه على صحيح البخاري [11/101] .
[2] التمهيد لشرح كتاب التوحيد ، صالح إبراهيم آل الشيخ ، دار التوحيد ، ط1 / 1424 ، [2/10]
[3] شرح العقيدة الطحاوية ابن أبي العز الحنفي ، تخريج : ناصر الدين الألباني ، دار السلام ، مصر ، 1426، [1/343]
[4] فتح الباري [1/80]
[5] [1/81]
[6] إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ، صالح بن فوزان الفوزان ، مؤسسة الرسالة ، ط3/ 1423 ، [2/41]
[7] [1/22]
[8] في شرحه على صحيح مسلم [1/205] .
[9] سنن النسائي بحاشية الإمامين السيوطي و السندي ، تحقيق علي محمد علي و آخرون ، دار الحديث بالقاهرة ، ط1/1420 ، [4/451] .
[10] في شرحه على صحيح البخاري [1/63]
[11] عقيدة التوحيد ، الشيخ صالح الفوزان ، دارالقاسم ، الرياض صفحة [149] .
[12] إعانة المستفيد ، [2/41 – 43] .
[13] فتح الباري [1/24]
|
حارس المنتدى- المراقب العام
- تاريخ التسجيل : 30/05/2009
رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد ♥
جزأك الله إلف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر إبداعاتك الجميلة
جزأك الله إلف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر إبداعاتك الجميلة
|
Admin- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 19/04/2009
العمل/الترفيه : مهندس
الموقع : www.ahladalil.net
مواضيع مماثلة
» محبة النبي- صلى الله عليه وسلم-
» صور من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
» معلومه عن النبي عليه الصلاة والسلام . معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم
» محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
» خواطر ومواقف عن محبة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
» صور من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
» معلومه عن النبي عليه الصلاة والسلام . معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم
» محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
» خواطر ومواقف عن محبة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى