المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
عبرة كورونا
عبرة كورونا
عبرة كورونا
حمزة بن فايع الفتحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
"كورونا" لعله المصطلح الأكثر شيوعاً وتداولاً وانتشاراً بين الناس، ذلكم الفايروس الذي لا يُرى بالعين المجردة، أحدث تغييراً عجيباً في حياة الناس، وتسبب بالهلع والفزع والخوف والذعر؛ وترتب على ذلك إجراءات صارمة فتوقفت المدارس والجامعات والعديد من التجمعات وحركة المطارات، وأغلقت الحدود وبعض المدن بالكامل، ولا زالت الأزمة في بدايتها والتكهنات وتناقل الأخبار والأرقام والأعداد هو سيد الموقف.
"فايروس كورونا" أصبح حديث الناس والمجالس والقنوات ومواقع التواصل، بين مُقلٍ ومستكثر وناقل ومحلل، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه في مثل هذا الحدث الخطير والطارىء الكبير، هل يعقل أن نكتفي بمتابعة الأخبار والرصد والتحليل؟! أم هنالك جوانب وزوايا أهم وأعظم ينبغي أن نجعل لها حيزاً لأخذ العبرة والعظة والحكمة من كل حدث!
إن في مخلوقات الله عز وجل وتقلبات الأحداث وتغير الأحوال؛ لعبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين وذكرى للمتذكرين وتبصرة للمستبصرين، { { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} }[النور:44].
على المؤمن أن ينظر للحدث بدقة وعمق وعبرة، فالاعتبار سنة مهجورة والاتعاظ عبادة عظيمة، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. (الحلية 1/208).
فحقٌ على المسلم بدلاً من الاستغراق والانشغال بالأخبار والأسباب والأرقام والوقاية المادية الحسية لهذا المرض فحسب؛ أن يأخذ العبرة والفكرة من هذا الحدث وتلك المصيبة والبلاء.
(1) {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
إن في انتشار هذا الوباء المخلوق الضعيف الذي لا يرى إلا بالمجهر، وإحداث الفزع والهلع والخوف في مناطق واسعة من العالم، لعبرةٌ ودلالة على عظيم قدرة الرب عز وجل وضعف المخلوقين الذين مهما بلغوا من التطور والتقنيات والتكنولوجيا والقوة والطب، فهم لا يخرجون عن دائرة الضعف والعجز البشري، وأن الله عز وجل ذو القوة المتين وأن القوة لله جميعاً، { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:85]، وقال جل في علاه: { { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} }[الحج:74].
(2) {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}
من المعيب والخذلان عند حلول المصائب والمدلهمات؛ انشغال الناس بتناقل الأخبار ومتابعة المستجدات دون نظر واعتبار ووقفة وادكار للحال والمآلات، فالمصائب والابتلاءات منها ما هو تكفير للسيئات فيحتاج العبد معه إلى إيمان ويقين وصبر وثبات، ومنها تذكير فنحتاج إلى يقظة من غفلة وسبات، ومنها عقوبة فلابد من التوبة والإنابة والتضرع والإكثار من الطاعات والصالحات.
يقول ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (9/160): وإن من علامات قساوة القلوب وطمسها والعياذ بالله أن يسمع الناس قوارع الآيات وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال ربهم لهم عاكفين على اتباع أهوائهم وشهواتهم غير عابئين بوعيد ولا منصاعين لتهديد.
(3) {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
بغض النظر عن التكهنات والتحليلات والأسباب وراء انتشار هذا الفايروس الخطير الذي لا يُرى إلا بمجاهر دقيقة، وبعيداً عن التداعيات والآثار الكارثية السلبية الاقتصادية وغيرها؛ فإنه مخلوق من مخلوقات الله عز وجل يبتلي به خلقه ليريهم ضعفهم وعجزهم وجهلهم وكمال قوته وعلمه وقدرته عز وجل، إنه الله سبحانه وتعالى الذي سلط هذا المخلوق الضعيف على مخلوقاتٍ أقوى منه.
فالله سبحانه قادر على تعطيل الأسباب وإيجاد خلق بلا سبب كولادة عيسى عليه السلام بلا أب، وربنا قادر عل تعطيل النتائج مع وجود الأسباب كمعجزة عدم تكلم زكريا عليه السلام مع أن لسانه سالم من أي آفة أو عجز!
فهل استشعرنا عظمة الله وأنه سبحانه خالق كل شيء وخالق للأسباب والمسببات والنتائج والمقدمات والأفعال جميعا، قال سبحانه: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الرعد:16].
(4) {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}
هل أظهرنا ذلنا وافتقارنا وضعفنا واضطرارنا وخضوعنا لله جل وعلا في مثل هذه المقامات؟!
إنَّ من العبر العظيمة والحكم الجليلة في مثل هذه المصائب؛ تحقيق عبودية التضرع والاستكانة والخضوع للحق جل وعلا، قال سبحانه: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:43].
قال ابن كثير: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} أَيْ: فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُم ْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وَتَمَسْكَنُوا إِلَيْنَا {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أَيْ: مَا رَقَّتْ وَلَا خَشَعَتْ {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ: مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي.
يقول ابن القيم في الوابل الصيب ص11: فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره.
(5) {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
من أعظم الغرور والأمن من مكر الله تعالى، أن نعتقد أننا بمنأى عن تلك المصائب والأمراض، وآخر ما نفكر به وجود عَلاقة متينة بين الابتلاء والذنوب، مع أنها من المسلمات القرآنية التي أكدها الله سبحانه في غير ما آية، كقوله تعالى يخاطب خير الناس بعد الأنبياء صحابة النبي رضوان الله عليهم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:165].
يقول السعدي في تفسيره: حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية.
يقول ابن الجوزي (صيد الخاطر ص470): المصيبة العظمى رضا الإنسان عن نفسه، واقتناعه بعلمه! وهذه محنة قد عمت أكثر الخلق.
وكان العباس رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة.
(6){اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}
عند حلول النكبات وتوالي الأزمات وتزايد المدلهمات، يتجلى لطف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء وتجنيبهم ما حل بغيرهم، والتحلي بالصبر والرضا بقدر الله عند الشدائد، ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشة وفزعاً وخوفا.
يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.
(7){أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}
لعل من العبادات المهجورة سيما في أوقات الشدائد والمحن؛ عبودية التذلل والخضوع والافتقار لله عز وجل، وإظهار المسكنة والفاقة والانكسار، فالعبد ذليل ومفتقر إلى الله من كل وجه، فهو مفتقر إلى الله تعالى في النعمة والنقمة، في السراء والضراء واليسر والعسر، إلا أن هذه المصائب تظهر تلك المعاني وتجليها في اختبار حقيقي لإيمان العبد ويقينه.
ولنتأمل افتقار وتذلل زكريا عليه السلام وإظهار ضعفه الداخلي والخارجي لربه عز وجل، لما نادى ربه ليهب له غلاما زكيا، قال سبحانه على لسان زكريا: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[مريم:4].
يقول ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/481): وَاعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، لِأَنَّ السُّؤَالَ فِيهِ إِظْهَارُ الذُّلِّ مِنَ السَّائِلِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ ، وَفِيهِ الِاعْتِرَافُ بِقُدْرَةِ الْمَسْئُولِ عَلَى دَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ، وَنَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَدَرْءِ الْمَضَارِّ، وَلَا يَصْلُحُ الذُّلُّ وَالِافْتِقَارُ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ.
({إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}
من العبر والعظات المهمة في أوقات الأزمات الملمة؛ أن من علامات ضعف الإيمان كثرة الشكوى للمخلوقين والتذمر والتسخط مما حل، وكأن الأسباب المادية هي المحرك لما يجري، فمن شكا إلى الله وصل ومن شكا من الله انفصل، ولنستحضر في هذا المقام ما حل بنبي الله يعقوب عليه السلام، من فقدان يوسف وأخاه الصغير ثم الكبير وفقد بصره وانحنى ظهره وتوالت عليه الأمراض والمصائب، إلا أنه ثبت وصبر و{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[يوسف:86].
قال ابن القيم في عدة الصابرين ص63: فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجميل بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر، والله سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء...
ثم قال: وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه، وقيل لبعضهم: كيف تشكو إليه ما لا يخفى عليه؟ فقال: ربي يرضى ذل العبيد لديه.
(9){وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ}
من سنن الله في مخلوقاته أن لكل شيء بداية ونهاية، فيقيناً سيؤول حال وأمر هذا الوباء إلى الانحسار والاندثار والزوال، وذلك يبعث الطمأنينة والراحة والفرح والسرور في نفس المؤمن، وفيه بشارة بحسن العاقبة للمؤمنين والتغلب على هذا المصاب – بإذن الله- ومن راقب العواقب سلم من النوائب.
يقول ربنا جل في علاه: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}[الأنعام:67]، يقول السعدي في تفسيره: أي: وقت يستقر فيه، وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر.
تلك حقيقة راسخة أكدها القرآن في غير ما موضع، من ذلك قوله سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[الرعد:38]، جاء في تفسير فتح البيان(7/68): أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم... والمراد بالأجل هنا أزمنة الموجودات فلكل موجود زمان يوجد فيه محدود لا يزاد عليه ولا ينقص.
(10){فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}
إن أعظم ما يعين العبد على تجاوز المحن والابتلاءات؛ التحلي بالصبر وقوة الإرادة فهو من أخلاق الكبار وشيم الأفذاذ، إذ هنالك دواعي نفسانية تدفع الإنسان للجزع تقوى بقوة المصاب، وهنالك دواعي روحانية تدفع العبد للصبر والرضا، ثم تعتلجان فإذا استعان العبد بربه على صبره فإن الدواعي الروحانية تتفوق وتغلب فيتحلى بالصبر الجميل.
والصبر الجميل: هو الصبر الذي لا يصاحبه تسخط من قدر الله ولا اعتراض على حكم الله، ولا انقطاع عن طاعة الله ولا تشكي لغير الله ولا ضجر ولا جزع ولا ملل عند حلول المصائب والمكاره، يقول ربنا جل وعلا موصياً خير خلقه – صلى الله عليه وسلم : {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا}[المعارج:5]، وقال سبحانه على لسان يعقوب - عليه السلام – بعد توالي المصائب: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون}[يوسف:18].
ولتعلم – رحمك الله – أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة والثواب، أضعاف ما يحصل دون ذلك فتأمل!، قال ابن حجر في فتح الباري(10/115): الصَّبْرَ عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِثُ الْجَنَّةَ.
(11) {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}
الواجب عند المصائب مع الصبر عدم فقدان الأمل، ومجاهدة النفس بتوطيد العزيمة على الثقة بالله، وأهمية التفاؤل وتجنب الجزع واليأس والتشاؤم، وبقاء الحال من المحال ولا يغلب عسرٌ يسرين، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6].
ولنتأمل كيف جمع يعقوب عليه السلام بين الصبر الجميل مع الأمل والتفاؤل في أحلك الظروف، ابتداءً تعامل بعقلية الحل لا المشكلة وأخذ بالأسباب الممكنة: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}[يوسف:67]، ومع ذلك ذكرهم وأرجعهم للأصل من الإيمان بالقدر وحسن التوكل والالتجاء لله عز وجل فقال: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[يوسف:67].
ومع استمرار النوائب وإظهار الصبر الجميل من يعقوب عليه السلام؛ بقي متفائلاً يعيش على الأمل فقال: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87].
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذه المعاني العظيمة ويغرسها في نفوسهم، كما في البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ قالوا: وَما الفَأْلُ؟ قالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» .
(12){وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
الثقة بالله تعالى وحسنُ التوكل عليه وتفويض الأمر إليه، من أعظم سبل تجاوز المحن والتحديات، كما أن اليقين بأن فرج الله آت لا ريب فيه وأن بعد الضيق سعة؛ من أظهر أسباب تهوين المصائب والنوازل، فكلما قوي اليقين كان ذلك أدعى للصبر والرضا والتسليم، لذلك كان عليه الصلاة والسلام قلما يقوم من مجلس حتى يدعو ربه قائلاً: ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا.
إن البلاء إذا اشتد على أهل الإيمان قويت ثقتهم بالله تعالى ولم تضعف، لأن أهل اليقين لا يعرفون اليأس، وأحسن الناس صبراً عند المصائب أكثرهم يقيناً، وأكثر الناس جزعاً وسخطاً في المصائب أقلّهم يقيناً، فقلب المؤمن الواثق الموقن كالصرح الشامخ لا تهزه عواصف المحن، بل تزيده رسوخاً وشموخاً.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه كما في اليقين لابن أبي الدنيا ص42: إِنَّ الرَّوْحَ وَالْفَرَجَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا , وَإِنَّ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ مِنَ الشَّكِّ وَالسُّخْطِ ، ويقول كذلك كما في الشكر لابن أبي الدنيا ص24: وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ.
ويقول سفيان الثوري كما في حلية الأولياء (7/9): الْيَقِينُ أَنْ لَا تَتَّهِمَ مَوْلَاكَ فِي كُلِّ مَا أَصَابَكَ.
يقول ابن القيم كما في مدارج السالكين(2/374): فَالْيَقِينُ رُوحُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ أَرْوَاحُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الصِّدِّيقِيَّة ِ، وَهُوَ قُطْبُ هَذَا الشَّأْنِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُهُ.
(13){خُذُوا حِذْرَكُمْ}
الأخذ بالأسباب المادية المشروعة الممكنة من سنن الله الكونية، بل هي من شيم المرسلين والصالحين، ومن صميم تحقيق العبودية وتمام التوكل على الله سبحانه، فقد أرشدنا الله عز وجل في غير ما آية لتحري الأسباب، كأمر الله سبحانه لمريم بهز جذع النخلة ليتساقط الرطب، مع أنها في مخاض وضعيفة ولا تقوى على ذلك أبداً إلا أنها الأسباب.
فحقيقة التوكل هو اعتماد القلب على الله مع مباشرة الأسباب، فالاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع ونقص في العقل، والاقتصار على الأسباب دون اعتماد القلب على الله عجز تواكل وشرك في الأسباب.
يقول ابن القيم في مدارج السالكين(2/120): فَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا الْمَكْرُوهُ. فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْهُ التَّوَكُّلُ. وَلَكِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ عَدَمَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَقَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِهَا؛ فَيَكُونُ حَالُ قَلْبِهِ قِيَامَهُ بِاللَّهِ لَا بِهَا. وَحَالُ بَدَنِهِ قِيَامَهُ بِهَا.
وقد أكد هذا المعنى الدقيق شيخ الإسلام ابن تيمية مراراً ونقل عن طائفة من العلماء - كما في التحفة العراقية ص52 - قولهم: الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا نقص فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع.
(14){ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
الناظر والمتأمل للمشهد العام، يرى المسلمين – كغيرهم- متأهبين ومستنفرين أفراداً وجماعات ودولاً ومؤسسات وعبر مواقع التواصل والقنوات، مع أشد أنواع الاحترازات والتحصينات لمواجهة ومحاربة "فايروس كورونا"، الذي أقض مضاجع الجميع، وهذا أمر طبيعي وفطري، بل الحفاظ على الأنفس والأرواح من مقاصد الشريعة وضرورياتها الكلية.
لكن بالمقابل إنك لتتعجب أشد العجب العجاب العجيب؛ لِما ترى من برود وجمود ولا مبالاة وعدم استنفارٍ – في ذات الوقت- لمصائب الدين المتنوعة على مستوى الفرد والأمة، تهدد عقيدتنا وإيماننا وثوابتنا وأخلاقنا ومقدساتنا ومبادئنا بل ووجودنا!
كان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا»، فالمصيبة في الدين هي نهاية الخسران الذي لا ربح فيه، والحرمان الذي لا طمع معه، ومن تمام الفقه: أن كلَّ مصيبة دون مصيبة الدين تهون!
والواقع المرير أن المصائب الدنيوية كل الدنيا تفزع وتستنفر لها، أما المصائب الدينية كأنها ماء بارد، قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ كما في الحلية (3/19): مَالِي مَالِي تَضِيعُ لِي الدَّجَاجَةُ فَأَجِدُ لَهَا، وَتَفُوتُنِي الصَّلَاةُ فَلَا أَجِدُ لَهَا!
ويقول حاتِم الأصم كما في الإحياء (1/149): فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشر آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا!
والله وبالله وتالله إن من أعظم المصائب أن تنتهك حرمات إخواننا المسلمين في كل مكان، ولا نحرك ساكناً فضلاً عن أن نستنفر ونتأهب لذلك! فمن تعارض عنده أمر الدين مع أمر الدنيا وقدم الدنيا فليعلم أن متلبس بمصيبة عظمى وطامة كبرى، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46].
(15){وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
ربما جزع الإنسانُ أو أصابه همٌ وغمٌ وحَزَنٌ، من الأقدار المؤلمة والمصائب الموجعة والأسقام المهلكة، خصوصاً إذا نزلت فجأة أو حلت بغتة في ظل استقرار ودعة وأمن وأمان، إلا أن المؤمن الموقن بقدر الله وحكمته ورحمته ولطفه يعلم أنها تمحيص للقلوب وتنبيه لها من غفلتها، فتصبح المحنة منحة وتنقلب البلية إلى عطية.
الناظر للفوائد والثمرات والمنافع والنفحات، التي تعود على العبد في دينه وإيمانه وقلبه وسلوكه وسائر شؤونه، جراء الشدائد والمحن التي داهمته؛ أيقن بأن اختيار الله له على ما يكره خير من اختياره لنفسه ما يحب!
يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه (14/298): اعتل الفضل بْن سهل ذو الرياستين علة بخراسان، ثم برأ، فجلس للناس فهنئوه بالعافية، وتصَرَّفوا في الكلام، فلما فَرَغوا أقبل على الناس، فقال: إنَّ في العلل لنعماً ينبغي للعقلاء أن يعلموها: تمحيصٌ للذنب، وتعرضٌ لثواب الصبر، وإيقاظٌ من الغفلة، وادّكار للنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحض على الصدقة.
(16) {فَإِنِّي قَرِيبٌ}
الدعوة الصادقة تُفتح لها أبواب السماء وتخترق الحجب، وتطوي المسافات وتقربك من الرحمن، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:186]، يقول الحسن: وَمِفْتَاحُ السَّمَاءِ الدُّعَاءُ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كما في المجالسة للدينوري (4/530): إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيِمْتَحِنُ قَلْبَ الْعَبْدِ بِالدُّعَاءِ.
وقال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ (الإشراف في منازل الأشراف ص142): يَنْزِلُ الْبَلَاءُ فَيُسْتَخْرَجُ بِهِ الدُّعَاءُ.
وقد ترجم البخاري " بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ"، وبوب النَّسائي في سنن الكبرى باب " الدُّعَاءُ بِنَقْلِ الْوَبَاءِ"، ثم ذكر حديث دعاء نقل الحمى إلى الجحفة.
قال ابن حجر في فتح الباري ((10/115): عِلَاجُ الْأَمْرَاضِ كُلَّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنْجَعُ وَأَنْفَعُ مِنَ الْعِلَاجِ بِالْعَقَاقِيرِ ، وَأَنَّ تَأْثِيرَ ذَلِكَ وَانْفِعَالَ الْبَدَنِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَعُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَلِيلِ وَهُوَ صِدْقُ الْقَصْدِ، وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّةُ تَوَجُّهِهِ وَقُوَّةُ قلبه بالتقوى والتوكل، وَالله أعلم.
فالدعاء عبادة عظيمة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفعه وأكثره تأُثيرا، ما كان عن صدق التجاء وافتقار وتضرع وتذلل ومسكنة، وحسن ظن بالله ويقين بالإجابة، مع الدوام وعدم الاستعجال، قال ابن القيم (الجواب الكافي ص11): وَمِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ: الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ.
(17) {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}
تأملوا فايروس صغير جدا ومخلوق ضعيف خفي، نغص على أهل الدنيا نعيمهم ولذتهم وحياتهم وأمنهم واستقرارهم ومعيشتهم! فدنيا تنقلب عليك وتغدر بك وتتلون وتتبدل ولا تدوم لك على حال، فهل يليق بعاقل فضلاً عن مؤمن أن يتخذها وطناً ومسكناً فيطمئن فيها ويتقاتل عليها ويتنافس في حطامها؟!!
فمن لم يتعظ بحقيقة الدنيا اختياراً، ألجأته الأقدار والمصائب للاعتبار بها اضطراراً، فهي لا تبقي غنياً على غناه ولا صحيحاً على صحته ولا مُنعَّماً على نعيمه، فهي حقيرة دنيئة هينة فانية لا قيمة لها، {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}[الشعراء:205-207].
لنقف مليا متمعنين بحقيقة الدنيا التي حكاها من لا ينطق عن الهوى، إذ يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟».
وأعظم من ذلك قول ربنا جل وعلا: { {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} }[الحديد:20]، يقول ابن الجوزي(المدهش ص74): الدُّنْيَا غرارة غدارة خداعة مكارة تظن مُقِيمَة وَهِي سيارة وَمُصَالَحَة وَقد شنت الْغَارة، وقيل لحكيم( ربيع الأبرار 1/31): ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل.
ومن وصايا المسيح - عليه السلام - لأصحابه أنَّه قال لهم عن الدنيا: اعبُروها ولا تَعمُرُوها، وكان كَثِيرًا مَا يَقُولُ(الزهد لأحمد ص53): بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ أَشَدَّكُمْ حُبًّا لِلدُّنْيَا أَشَدُّكُمْ جَزَعًا عَلَى الْمُصِيبَةِ.
(18){لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}
العبد في هذه الدنيا يتقلب بين السراء والضراء، وبين النعماء والبأساء، وبين العافية والبلاء، ففرحها مشوب بترح وصفوها يعقبه كدر، وما يُهوِّن على المؤمن المصائب والآلام ويخفف الأحزان والأسقام؛ أن الجنة خالية من جميع المنغصات جملة وتفصيلاً، فهي دار المقامة والخلود والسلام ونعيمها دائم لا ينقطع، حيث السعادة السرور والهناء والحبور.
إن أعظم ما ينغص على أهل الدنيا نعيمهم؛ الموت والسآمة والملل، وهذا مما لا وجود له في الجنة، قال سبحانه عن نعيم أهل الجنة: { {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108]، فخلود أبدي ينجيهم من منغص الموت، ولا يتخللهم الضجر ولا تتطلع أنفسهم إلى التحول ولا إلى التغيير، لأنهم لا يرون نعيماً فوق ما هم فيه!
قال مطرف بن الشخير(الحلية 2/204): إِنَّ هَذَا الْمَوْتَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ فَاطْلُبُوا نَعِيمًا لَا مَوْتَ فِيهِ.
ومن عبر هذا الوباء أن يَسهُلَ على العاقل الصبر في أيام البلاء لينال راحة دائمة بلا انقضاء، ويحرك النفس كي تشتاق إلى دار البقاء فهل من مشمر؟!
(19){وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
مما لا شك فيه أن "فايروس كورونا" من آيات الله الكونية التي يخوف بها عباده، للعظة والعبرة وإحياء عبودية الخوف من الله ومن آياته، يقول ربنا سبحانه وتعالى: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، قَالَ قَتَادَةُ (تفسير ابن كثير 5/91): إِنَّ اللَّهَ خَوَّفَ النَّاسَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ وَيَذَّكَّرُونَ وَيَرْجِعُونَ.
إحياء عبودية الخوف من آيات الله كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا رأى شيئاً من ذلك، يقول أنس – رضي الله عنه- كما في البخاري: «كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذلكَ في وجْهِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» .
يقع هذا الخوف من النبي – عليه الصلاة والسلام- وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بحالنا نحن المقصرين المفرطين! وإنك لتعجب من حال عدد من المسلمين مع انتشار هذا الوباء، هم منشغلون بالتندر والاستهزاء والسخرية والضحك والشماتة واللعب واللهو والتنقل بين المتاجر وتكديس الأغذية، غافلين متجاهلين الحكم الإلهية من المحن والبلايا التي يبتلي بها الله عباده.
ولأهمية تحقيق عبادة الخوف من الآيات والخشية من رب الأرض والسموات، كان عليه الصلاة والسلام يكثر من قوله: اللهم اقْسِمْ لنا من خشيتِكَ ما يَحُولُ بيننا وبين مَعاصِيكَ.
نسأل الله أن يلطف بعباده وأن يفرج الهم والكرب ويصرف عن المسلمين هذا الوباء.
(20){ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}
الوقت هو مادة الحياة ورأس مال المسلم في هذه الدنيا، وهو أنفس من المال وأغلى من الثمن، ولأهميته أقسم الله في كتابه بمختلف أطوار الوقت، يقول عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ».
فالعاقل الكيس الفطن الذي يغتنم وقته دائماً ويتأكد ذلك في أوقات الأزمات والمحن؛ في كل ما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، والمخذول من فرط في وقته وأضاعه، فمن باع الثمين بلا ثمن اشترى الرخيص بأغلى من الثمن، يقول ابن القيم (الفوائد ص31): إِضَاعَة الْوَقْت أَشد من الْمَوْت لِأَن إِضَاعَة الْوَقْت تقطعك عَن الله، وَالْمَوْت يقطعك عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا.
يقول الشنقيطي في أضواء البيان (8/579) في قوله تعالى { {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} }: حَلٌّ لِمُشْكِلَةِ الْفَرَاغِ الَّتِي شَغَلَتِ الْعَالَمَ حَيْثُ لَمْ تَتْرُكْ لِلْمُسْلِمِ فَرَاغًا فِي وَقْتِهِ ; لِأَنَّهُ إِمَّا فِي عَمَلٍ لِلدُّنْيَا، وَإِمَّا فِي عَمَلٍ لِلْآخِرَةِ.
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه(الزهد لوكيع 1/418): إني لأمقت الرجل أن أراه فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة.
ولقد ضرب السلف مثلاً رائعاً في جعل البلاء سبباً للإنجاز والعطاء؛ فلقد ألف السرخسي كتابه الشهير "المبسوط" في ثلاثين مجلدا إملاء على تلامذته وهو مسجون، وقد ألف ابن الأثير كتابه "جامع الأصول" و "والنهاية في غريب الحديث" بسبب أنه مقعد، وجثلُّ فتاوى ابن تيمية كتبها وهو محبوس!
اللهم احفظ بلاد المسلمين من الأمراض والوباء، وارزقنا الأمن والأمان والإيمان والاطمئنان والاستقرار، وشافي مرضى المسلمين وعافي مبتلاهم، واصرف عنا السوء وجميع الأسقام.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
https://majles.alukah.net/t182284/
|
Admin- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 19/04/2009
العمل/الترفيه : مهندس
الموقع : www.ahladalil.net
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى