عندما يعود الماضي

**رميساء** عضو فعال تاريخ التسجيل : 12/05/2017

السلآم عليكم ورحمة الله تعالى وبركآته يا طاقم هذا المنتدى الجميل والراقي أنا عضوة جديدة وارغب في مشاركتكم بعضا من كتاباتي المتواضعة وأول قصة لي
بعنوان: " عندما يعود الماضي "
اتمنى ان تنال اعجابكم وهي مستمدة من الواقع الذي نعيش فيه

كـــــــــــــل ما في الامر اني سئمت كل ما يحدث من حولي وحكايات بعضهم اوجعت راسي...كلها متماثلة في النهاية بالرغم من اختلافها في بداياتها وبعضهم خان العهد والاخر طعن في الظهر....اتساءل اصلا ان كان بينهم عهود منذ البداية " صدقا لا اظن " لن اتحدث عن الكل فأمرهم لا يعنيني ولكن سأتحدث عن نفسي...سأتحدث خصوصا وليس عموما فاختلافي وتفردي في افكاري وتميزي لا يسمح لي بالنزول الي مستوى منحط ومقارنة نفسي الراقية بغيرها من النفوس الملوثة بذنب الخطيئة...لست ملاكـــــــــــا ولكني لم اخن العهد قط , انـــــــــا من مبادئي اني اذا حكى لي شخص خصوصياته تقطع رقبتي ولا اتحدث عنها ولو لقريب الاقرباء واعز الاوفياء....لا اطيق الكذب ومن يحترفون صنعته ولا اجيد الكذب ليس لصعوبته وانمـــــــــا لأنني كلما حاولت الكذب ولو مزاحــــــــا يرهقني ضميري حتى اقر بالحقائق المخجلة وبعد فضائح جمة تعلمت واعتزلت الكذب....اعتزلته بعد العديد من الاهانات التي جعلتني مسخرة امــــام غيري...لا علاقة لحبله القصير بفضح امري دائما وانما الذنب هو ذنب ضميري وحده...لا يرضى ان يريحني ولا يطلق صراحي ولا يعلنني بريئة في محكمته حتى يتأكد اني اعترفت بكل ما هو مخبأ بين طياتي كتماني...وبمرور السنوات بردت مشاعري تمــــــــاما اذ لم اعد ابالي بأحد ولا اهتم بالقيل والقال ولا بما يجري حولي....لا يمكن لاحد ان يخدعني او ان يكذب علي باسم الحـــــــــب لم اخلق عبثا ولم اخلق في هذه الدنيا ليعبث بي انســــــــان ويعبث بقلبي ثم يرميني عندمــــا يمل مني...

ولدت في بيت صغير متواضع المعالم وبسيط التفاصيل يتكون من غرفتين للنوم وغرفة للمعيشة وصالة لاستقبال الضيوف ورواق طويل يتوسط الغرف الاربع وحمام....

تربيت منذ نعومة اظفاري في هذا المنزل البسيط برفقة والدتي وحدنـــــــــا....والسؤال الذي تبادر الي عقلي أنذآك هو اين ابي ؟...ولم لا يعيش معنا ؟...

في البداية راودتني هذه الاسئلة كثيرا والححت على معرفة جوابها في صغري دون جدوى فأمي كانت تكتفي بقول :" عندمــــــــا تكبرين يــــا مريم ستفهمين ؟ "

وفعلا عندمــــــــــــا كبرت جاءني الجواب بمفرده...السبب هو الانفصال....
الانفصال الذي مزق بيتنا وشتت اسرتنا وكـــــــان سبب انفصال والدي عن امي هو دخول امرأة ثــــــانية بينهما...امي امرأة لا ترضى بالنقص ولا تحب المشاركة وابي كان معبأ بالنواقص وكثير العلاقات ككل الرجال لم تملأ امرأة واحدة عينيه فبحث عن المزيد متجاهلا بذلك ان امي ليست كـأي امرأة....امي هي الكبرياء والتحرر وابي بكــــــــــــل صراحة خسر امي وخسر في قضية المطالبة بالاحتفاظ بي في المحكمـــــــــة كذلك...لم اجرب عيش حنـــــــــان الاب مع اني تمنيت ولو لمرة واحدة ان نجتمع انا ووالدي على طـــــــاولة واحدة ولكن لا علاقة لشخصيتي الباردة بماضي اهلي وبطريقة عيشي انـــــــا فقط هكذا خلقت لا اهتم....

دخلت المدرسة وتعلمت وكــــــــــان الوسط مختلفا وليس كما رسمته في مخيلتي عندما قيل لي :" مريم ستدخلين للمدرسة وتتعلمين كما يفعل الاطفال " ظننت ان وجود اطفال كثر في مكان واحد سيجعل التعلم مسليا ولكن صفعة الواقع ايقظتني من غفوتي اذ ادركت ان العلم تاج متربع وسط غابة تحرسها الذئاب ولا تبلغه الخراف الضعيفة...

تعلمت ان اكــــــــــــون ذئبة بلا انياب او مخالب ذئبة بأفكاري ومنطقي ومع الايام احترفت القانون :" الغبي تلتهمه الذئاب " لم تحذرني امي من خطورة الوسط الخارجي بل تركتني اتعرض لحوشيته حتى اتعلم...وبالفعل تعلمت من تلقاء نفسي واهم ما تعلمته هو الاعتماد على نفسي وحدها وعدم انتظار العون من احـــــــــــد...تفوقت في دراستي وكنت متربعة على قمة العشرة الاوائل دائما ودخلت مدرسة الطب بكـــــــــــل فخر...بمجهودي وحدي...عقدت العزم على المتابعة حتى الاخير ولكنه ظهر وقلب حيــــــــاتي رأسا على عقب...شخص لم اتخيل قط انني قد التقيه يومــــــــــا ( ابي ) الذي هجرني بعد انفصـــــــاله عن امي رحمها الله...

اجل لقد مـــــــاتت بعد نجاحي في شهادة الباكالوريا مباشرة اذ انها اصيبت بسرطان خبيث في سنواتها الاخيرة وقد نهش هذا المرض عظمها ولحمها وكـل ما قدرت على القيام به هو مراقبتها وهي تموت ببطئ واخترت مجال الطب لانتقم لعجزي عن دعمها وانقاذ حياتها ولكــــــــن ظهور هذا الرجل في حياة مرة اخري كان بمثابة صفعة مباغتة تعرضت لها ( لم جاء الان ؟ مادا يريد من ؟...هو اكيد لا ينوي لي الخير بظهوره هذا الذي لم تقيده خطط ولا مواعيد ) دعـــــــــاني لشرب القهوة في احدى المقاهي القريبة من الجامعة...كان يتظاهر بمدى اشتياقه لي وحكى لي خرافات حول خيانة امي له وانه بدل في سبيل استعادتي الكثير وضحى بالنفس والنفيس ولكن المحاكم كعادتها تميل الي النســـــــــاء كما ان حظه العاثر خانه ف تلك القضية...سالته لما لم يأتي لزيارتي بعد القضية ؟..لم اهملني ولم يبحث عني فأجابني بانه كان تائها ولم يعرف طريقا تؤذي اليا اذ ان امي العزيزة الكاذبة قد خبأتني عنه واخفت اثري حتى لا يبلغ مكاني ويفضحها كمــــــــا يفعل الان....ابتسمت بسخرية وتأملته طويلا قبل ان احسم الامر قائلة :" لقد عشت طوال حياتي في كذبة يا ابي العزيز وما انا بقاضية ولا وجود للمتهم فقد غطت الترب جسده وفتت الديدان لحمه ونهشت عظامه ولا يمكنني وضعه في قفص الاتهام واستجوابه رحمه الله وغفر له...اخبرني فقط مادا تريد مني فانا واثقة كل الثقة ان لم يحضرك عبق الاشتياق الي ؟ " بعد ان لفظ لساني تلك الكلمات الجارحة رحت اراقب تغير ملامح وجهه وارتباكه ودهشته التي بدت ملامحها واضحة جلية على وجهه ولاشك انه تفاجئ من اين لي كل هذه الحكمة والجرأة لأفضح ما ينوي القيام به قبل ان يقر به...فقال لي ببرود بعد ان تخلص من نبرة الصوت المزيفة التي كان يحدثني بها :" حسنا بما انك اذكى مما كنت اعتقد فسأدخل في صلب الموضوع مباشرة...لقد كنت اعمل لدى احد التجار وقد وضع مــــــــاله امانة عندي ولكن الشيطان وسوس لي فقلت لأقامر به عسى ان اربح ضعفه فأعيد مال صاحبه واحظى بالربح فلا اكون خاسرا ولكن..."

توقف عن روي تلك القصة الوسخة التي تثبت لي ان امي كانت محقة بشأنه فالوساخة والخداع والخيانة هي التي تجري في شرايينه وليس دما...فقلت له ببروده نفسه :" لكنك خسرت في المقامرة وخسرت مال الرجل وهو الان يهددك بالسجن ان لم تعد له مـــــــــــاله فما علاقتي انا بحكايتك فلا املك شيئا غير المنزل الذي ورثته عن امي...فهل تريدني ان ابيع لأجلك مثلا"
تأملني لفترة قبل ان يقول :" انت لا تعرفين مقدار المـــــــــال الذي خسرته لهذا قلت ما قلته صغيرتي....اعرف ان البيت عزيز عليك ولا تريدين التخلي عنه ففيه قضيت طفولتك واحلى ايام حياتك....ولكن اريد ان افعل لك شيئا مفيدا واعوضك عن سنين المعاناة التي عشتها بعيدا عني...سأزوجك التاجر فانت اجمل مما كنت اتخيل ومــــــا ان يراك اكيد ينسى فكرة المحاكمة "

انفجرت ضــــــــــاحكة وقلت له بنبرة ساخرة :" انــــا ابنتك جميلة مثلك نعم...ولكنك طعنته وخدعته ولاشك انه سيراني خائنة مثلك...كمــــا اياك ان تغرق في بحر احلامك فتموت وانت على قيد الحياة فانا لن اتزوج الا الشخص الذي سأختاره....أو ربما لن اتزوج مطلقا "
ثم غادرت ذلك المكان اللعين وابتعدت عن هلوساته ولكنه لم يتركني وشأني....لقد لحق بي وجردني من كـــــــل شيء ...مالي ومنزلي كان بمثابة كابوس افسد ولوث بحر احلامي النقي...قضى على كل فرحة كانت في حياتي ولوث اسم امي واهان شرفها وبالأدلة ايضا ولكن امامي وحسب وهددني بان يمسح سمعتها بالتراب ان لم اوافق على الزواج من ذلك التاجر الذي تورط معه فرضخت له مرغمة لا راغبة
تزوجت ذلك التـــــــــــاجر فقد اعجبته من اول لقاء وبدى لي زير نساء كوالدي لم احبه قط...ولم اطق قربه مني وكان بعده جنة لي دائما حاول حرماني من متابعة دراستي ولكنني هددته بان اقتل نفسي مرار وتكرار ان تجرأ على ذلك وعندما ادرك مدى عنادي سمح لي بذلك....أصبحت اكثر برودا وقساوة بعد زواجي وكانت حياتي جحيما في حين اصبح لابي اللعين نسيبا ثريا عجوزا مثله وانا سرق مني شبابي فتجاوزتهم سنا كنت كالجسد بلا روح...اعيش الايام فقط بلا هدف او غاية وذات مرة وانا اهم بدخول قاعة المحاضرات اذا بي اصطدم بجدار عالي وقاسي رفعت بصري لأعرف مادا حدث لي فاذا بدلا من اجد كتلة اسمنت امامي كما ظننت اذا بي اجده صدر شاب طويل القامة ذو شعر اسود فاحم مسرح الى الاعلى وملامح قاسية ربما بسبب اصطدامي به...دفعني بعيدا عنه فتمكنت من دراسة ملامحه جيدا كان اجمل شاب وقعت عليه عيناي يوما واكثرهم انـــــــــــاقة على الاقل في نظري...

سرحت فيه متأملة حتى ايقظني صوته الرزين :" انظري أمامك لو سمحت..." ثم تابع سيره دون ان يستدير نحوي في حين بقيت للحظات اراقبه حتى قالت لي رفيقة لي كنت معها عندما اصطدمت به :" هذا ياسين يا مريم وهو شــــــاب يدرس في الصف الاول تخصص اعصاب " التفت نحوها وقد بدت علي ملامح الدهشة وسألتها قائلة :" يدرس تخصص اعصاب؟....ما الذي جاء به الى قاعة المحاضرات اذا ؟ " ابتسمت رفيقتي وقالت بخجل :" هذا الوسيم هو من سيدرسنا في مجال الاعصاب الايام القادمة " حركت راسي دلالة على الفهم....وفعلا اصبحت اقابله طوال الايام التي تلت لقاءنا العنيف وازدادت قوة التنافر بيننا فلا انا اطيقه ولا هو يفعل ذلك كما انه كان يتجاهلني بطريقة مستفزة احرقت اعصابي....وتعجبت من سبب اهتمامي بهذا ياسين...لم يثير في كل هاته التناقضات والمشاعر المختلطة...كـــــــان هو لا يطيق قربي واتهمني ذات مرة في احدى شجارانا المعتادة :" على الاقل لم اتزوج عجوزا لثروتها " فهمت من كلامه شيآن اولهما انه يعلم بزواجي وثانيهما انه يعتقد انني تزوجت ذلك العجوز بإرادتي من اجل مــــــــــــــاله وفهمت سبب كرهه لي...

وشاء القدر ان جمعني بأستآذي ياسين في غرفة عمليات واحدة نحاول انقاذ امرأة مصابة بمرض السرطان الخبيث وكنت انا مجرد مساعدة اختارتني الادارة لدعمه بسبب تفوقي في حين هو كان الطبيب الرئيسي...كنت أرى في تلك المرأة امــــــــــــي وهي تتعذب بسبب مرضها , تفاقمت حالتها وعجز الاطباء عن علاجها أمـــــــــا انا لم اعجز فقد رماني الجنون نحوها ورحت ابدل قصارى جهدي لانقادها ظنا مني انها امي ورفضت الاستسلام بالرغم من ان جميع الاطباء اعترضوا طريقي...

هل نجحت؟....امي حية ولم تمت انقدتها يا جماعة...كنت اهذي بهذه الكلمات عندما انهيت تلك العملية بنجاح لم يتوقعه احد فاقترب مني ياسين وقال لي :" اجل نجحت وانقذتها " التفتت نحو المرأة و الدموع تملأ عينان وتحجبان عني الرؤية فسارعت الى مسحها وتركت اثرا للدماء على وجهي لتتضح لي الصورة وان تلك المرأة لم تكن امي...ليست هي...التفتت نحو ياسين وصرخت في وجهه قائلة وانا ابكي :" مخادعون...كلكم تكذبون اللعنة عليكم هذه ليست امي...اذن امي ماتت يا كاذب يا محتال...ظننتك مختلفا وصريحا...ظننتك مختلفا " حاول الجميع تهدئتي ولكن بلا جدوى فقدت اعصابي كليا وفجأة شعرت بيدان قويتان تضماني الى صدر لطالما اشعرني بالأمان...بكيت كثيرا في ذلك اليوم حتى بللت قميص ياسين ولكن عندما انتبهنا لوضعنا ابتعد كل واحد منا عن الاخر وهو محرج من تصرفه...تغرينا كثيرا بعد تلك الحادثة ورويت له سبب اختياري للطب وكل شيء عن حياتي من ولادتي الي ظهور والدي الي زواجي الاجباري....تعبت كثيرا من الجميع الا ياسين الذي كان فعلا مختلفا عنهم كلهم وكان الوحيد الذي يخفق له قلبي بسرعة جنونية وتلمع عينياي ببريق المحبة عندما اراه ولكن....لا يجوز ان افكر هكذا امرأة متزوجة لقد تمزقت نفسي بين حبي له وبين هذه الحقيقة المرة....عرف زوجي بمشاعري التي اكنها لذلك الجراح فبدل الغالي والنفيس ليحطمه ولكن الله كان في عونه ودعواتي حمته دائما وشاء الله ان يموت زوجي في حادث مرور بعد ان اعلن طلاقه مني بالثلاثة ....لقد خضع للناس الذين اتهموه بانه ليس رجلا لا يزال محتفظا بإمراه خانته في منزله فطلقني وجعلني اكرب سيارته وكان راغبا في قتلي ورميي من منحدر عالي ولكنه مــــــــــــات وانا دخلت للمستشفى وبقيت منعزلة عن العـــــــــــــــالم لا ادري ما يجري من حولي وعندما استيقظت وجدت ياسين القلق علي...لقد وهن جسمه وبدت اثار السهر الطويل في ملامح وجهه ما اكد لي انه هجر النوم في سبيل رعايتي في المستشفى....تزوجنا بعد خروجي من المستشفى وانــــــا ام لتوأم جميل يشبهاني بعض الشيء ولكن لهما من ملامح ياسين الحظ الوفير...لا ادري ما الذي حصل لابي بعد ان فضحت تجارة زوجي السابق وانه كــــــــان تاجر مخدرات وابي كان واحدا من اعوانه...كل ما اعلمه انهم القوا القبض عليه ربما حكم عليه بسجن مؤبد او اعدم....وأمــــــــي لم تكن بريئة في كل هذا فقد كان لها مما جرى نصيب فهي التي اهملت واهتمت بنفسها على حساب زواجها...كانت تظن نفسها كــــــــاملة وخالية من العيوب وهذا هو النقص الاعظم...

......النهــــــــــــــــــاية.......