المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة الأعراف 007
تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة الأعراف 007
تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة الأعراف 007 - الدرس(34-60):
تفسير الآيات 103-115، قصة سيدنا موسى مع فرعون
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-04-04
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا
من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مقدمة:
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثالثة
بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾
1 ـ الأنبياء قدوة للبشر :
أيها الإخوة ، في القرآن الكريم قصص الأنبياء ، هؤلاء الأنبياء قمم البشر ، وقد تخلقوا بالكمال
البشري ، وهم في الحقيقة قدوة لنا نحن البشر ، هؤلاء الأنبياء لا يغفلون عن الله لحظة ، كما قال
عليه الصلاة والسلام :
(( وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ))[ متفق عليه ]
هؤلاء الذين عرفوا الحقيقة ، عرفوا ربهم ، عرفوا سر وجودهم ، عرفوا غاية وجودهم ،
استناروا بنور ربهم ، حملوا هموم البشر ، نقلوا رسالة الله لخلقه .
2 ـ قصصُ الأنبياء فيها دروسٌ وعِبرٌ :
الله عز وجل يقص علينا قصصهم لتكون هذه القصص عبرة لنا :
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة يوسف الآية : 111 )
بل إن الله سبحانه وتعالى لعل في رواية قصصهم موعظة لأنبيائه أنفسهم ، الآية الكريمة :
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
( سورة هود الآية : 120 )
فإذا كان قلب سيد الخلق ، وحبيب الحق ، يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا
إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى .
أنت مؤمن ، الحياة فيها صعوبات ، فيها مصائب ، فيها ابتلاء ، فيها قهر ، فيها فقر ، فيها مرض
، فإذا قرأت قصة سيدنا يونس ، حينما وجد نفسه فجأة في بطن حوت ، هل من مصيبة أكبر من
هذه المصيبة؟
الأمل معدوم ، لا أمل بمعطيات الواقع ولا بواحد من المليار ، وهو في بطن الحوت :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
لكن أنت مؤمن ، الذي يعطيك صعقة إيمانية التعقيبُ :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هذه لسيدنا يونس ، ولكل مؤمن ، فلا تقلق ، ولا تحزن ، كن مع الله ولا تُبَالِ ، كن مع الله ترَ الله
معك ، اسأل الله حاجتك ، توسل إليه بعمل صالح ، بصدقة ، ناجِه في الليل ، اعرض أمامه
مشكلتك ، ليكن الحوار بينك وبين الله عز وجل ، لتكن المناجاة بينك وبينه ، اشكُ له ما تعاني ،
اسأله مِلْحَ طعامك ، اسأله شسع نعلك إذا انقطع ، هذه كله أحاديث شريفة ، اسأله حاجتك كلها .
قصص الأنبياء ليست لأخذ العلم ، ولكن للإقتداء ، إياك أن تقرأ قصة نبي على أنها قصة ، لا ،
هي درس لك ، توجيه لك ، منهج لك ، طريق إلى الله .
فيا أيها الإخوة:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾
الآن نحن أمام قصة طويلة جداً ، لكن هذه القصة فيها من المواعظ والدروس والاستنباطات ،
والحقائق والقوانين والقواعد ما يملأ حياتنا أمناً وطمأنينة ، واستنارة وطريقاً ترسمه هذه
القصص إلى الله عز وجل ، بعد أن حدث الله عز وجل عن الأنبياء السابقين جاء دور سيدنا
موسى مع قومه :
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى ﴾
1 ـ الحقُّ قديمٌ ، كلما انطمس بعث الله نبيًّا ليظهره مِن جديد :
كأنه شيء كان تحت الأرض ثم بعثناه ، ماذا نفهم من هذا التصوير ؟ نفهم أن الحق قديم ، وأن
الحق جاء به آدم عليه السلام ، وأنه تمر على البشرية حقب تنطمس فيه الحق ، ثم يأتي النبي
فيظهره ، ثم تنطمس الحقائق ، فيأتي نبي آخر فيظهره ، هذا ما يفهم من كلمة بعثنا ، الحق قديم ،
والحق مركز في فطر الإنسان ، والحق جاء به الأنبياء .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى ﴾
كلما تاه البشر ، كلما غلّبوا مصالحهم على مبادئهم ، كلما غلبوا شهواتهم على مبادئهم ، كلما
انجذبوا إلى الأرض ، وأعرضوا عن السماء تأتي رسالة نبي لتوقظهم ، لترشدهم ، لتنبههم ،
لعلهم ينتبهون إلى سر وجودهم .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا ﴾
2 ـ معنى الآيات:
الآيات العلامات ، الله عز وجل أعطانا قوة إدراكية ، فإذا بعث إلينا نبياً معه أدلة ، معه علامات
، معه أشياء نيرة ، واضحة ، بينة .
الآيات الكونية :
أيها الإخوة ، لا شك أنكم تعلمون أن الآيات أنواع ثلاث ، آيات كونية ، هذا الكون هو الثابت
الأول ، الكون كله ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، فكل شيء في الكون يدلك على الله ،
وكل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، وكل شيء في الكون ينطق بكمال الله ، وكل شيء في
الكون ينطق بوحدانية الله ، الكون من آيات الله الخلقية ، آياته الكونية .
الآيات التكوينية :
أو آياته الخلقية ، لكن أفعاله ، أفعاله آيات أخر ، لكنها آيات تكوينية ، حينما نجّى الله سيدنا موسى
من فرعون فهذه آية كبيرة:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
كيف نجّى الله عز وجل سيدنا موسى ؟ كيف نجّى سيدنا إبراهيم ؟ كيف نجّى سيدنا محمد في
الهجرة ، نجّاه في الغار ، ونجّاه في الطائف ، ونجّاه في الهجرة ، ونجّاه في معركة الخندق ، فهذه
القصص دروس لنا .
الذي أتمناه ثانية: ألا تقرأ قصة في القرآن على أنها قصة ، إنها درس بليغ ، إنها رسالة من الله ،
فهناك آيات كونية ، هي خَلق الله ، هناك آيات تكوينية هي أفعاله .
وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
أنتقل إلى موضوع يخص كل واحد منكم ، ما من الإخوة الحاضرين المستمعين واحد إلا وله مع
الله أيام ، قال تعالى :
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 5 )
مرة كان في أزمة شديدة جداً ، الله عز وجل فرّجها عنه ، أو شبح مصيبة مخيف ألمّ به ، الله عز
وجل صرفه عنه ، أو عدو قوي عنيد حاقد ، الله عز وجل نصره عليه .
أحيانا أن تنجو من مصيبة ، أن يستجيب الله لك دعاءك ، أن يرحمك ، أن يوفقك ، أن يعطيك ،
أن يزوجك ، أن يطلق لسانك في الدعوة إلى الله ، هذه من أيام الله ، قال تعالى:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾
وأنت أيها الأخ المؤمن ، إذا كان لك علاقات مع الله رائعة ، علاقات توفيق ، علاقات تأييد ،
علاقات نصر ، علاقات اتصال ، علاقات حميمة مع الله عز وجل ، هذه الأيام اذكرها .
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾
مرة أحد الملوك في الأندلس هو ابن عباد ، كان يمشي في حديقة قصره ، فرأى بركة ماء ، وقد
أثّرت فيها الرياح ، فكأن سطح الماء سلسلة ، فقال وهو شاعر :
صَنَعَ الريحُ من الماءِ زَرَد
* * *
يعني كالسلاسل ، فلم يستطيع إكمال البيت ، فسمع جارية وراءه تقول :
أَيُّ درعٍ لقتالٍ لو جمدْ
* * *
فأعجب بهذه الجارية ، وتزوجها ، وأكرمها إكراما ما بعدها إكرام ، أكرمها إكراماً يفوق حد
الخيال ، مرة حنّت إلى حياتها الفقيرة ، فأحبّت أن تمشي في الطين ، فجاء لها بالمسك والعنبر ،
وخلطه بماء الزهر ، وقال لها : هذا هو الطين ، دوسي فيه ، ثم عُزل عن ملكه ، ودخل السجن ،
وفي ساعة علاقة سيئة بينه وبينها قالت له : ما رأيت منك خير قط ! فعاتبها ، وقال لها : ولا يوم الطين ؟!
أحياناً الأمور ليست كما ينبغي ، فتتضايق ، ذكّر نفسك بأيام الله ، يوم وفقك في الدراسة ، وفقك
في الزواج ، عرّفك بذاته العلية ، ساقك إلى أهل الحق ، وما مِن إنسان ما له أيام مع الله ،
فالإنسان البطل لا ينسى هذه الأيام ، من باب الوفاء :
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
إذاً : الله عز وجل له آيات كونية ، وله آيات تكوينية ، وله آيات قرآنية ، فخَلقه آية ، وأفعاله آية ،
وكلامه آية ، وهذه الآيات هي الطرائق إلى الله عز وجل ، بما أن أصل الدين معرفة الله ، الله
تعرفه من خَلقه ، ومن أفعاله ، ومن كلامه .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ
معنى الملأ :
ما معنى كلمة
﴿ وَمَلَئِهِ ﴾
?بعضهم قال: الملأ الرجال الذين يملؤون العين ، شكل ، جسم ، ذكاء ، فصاحة ، بيان ، منطق
، قوة شخصية ، هؤلاء الملأ ، فمن معاني كلمة ملأ أنهم يملؤون العين والسمع ، وإن يقولوا
تسمع لقولهم ، إن تطلع عليهم يملؤون عينك مهابة .
دخل إنسان يملأ العين على أبي حنيفة ، وكان يلقي درساً ، ويبدو أن في رِجل أبي حنيفة ألماً ،
فاضطر أن يمدها ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رؤي ماداً رجليه قط ، لكن المعذور
معذور ، فدخل إنسان عظيم الهيئة ، عريض المنكبين ، يرتدي جبة وعمامة ، وجلس في الدرس
، فاستحيا منه ، ورفع رجله ، والحديث كان عن صلاة الصبح ، وشرح أبو حنيفة المسألة ، وبعد
نهاية الشرح سأله هذا الإنسان الذي يملأ العين والسمع ، قال له : ماذا نفعل إذا طلعت الشمس
قبل الفجر ؟ قال له : عندئذ يمد أبو حنيفة رِجله .
الأصل أن الملأ رجال يملؤون العين والسمع .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾فَظَلَمُوا بِهَا
1 – الحديث عن الدنيا تكون الآذان له مصغية :
حينما تستمع لآية كونية ، ولا تعبأ بها ، وكانت هذه الآية مهيئة كي تنقلك من الظلمات إلى النور
، كانت هذه الآية مهيئة أن تأخذ بيدك إلى الله ، كانت هذه الآية كفيلة أن تهتدي بهدي الله عز
وجل ، فإذا لم تعبأ بها فأنت ظالم .
لاحظ الناس في عصور التخلف ، إذا تكلمت في الدنيا تجد الآذان مصغية ، يرهفون السمع ،
يحاورونك ، تتألق عيونهم ، تتورد وجناتهم ، وإن حدَّثتهم في أمر الدين رأيتَهم ينامون ،
ويتثاءبون ، ويعتذرون ، هذه مشكلة كبيرة جداً:﴿ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾
أمور التجارة ، والبيع والشراء ، وأسعار العملات ، والبيوت ، والشركات ، والبنوك الإسلامية ،
آذان لها مصغية .
2 – الحديث عن الله واليوم الآخر لا يلقى له آذانا مصغية :
فإذا جاء الحديث عن الله عز وجل ، وعن رسله ، وعن جنته ، وعن الدار الآخرة ، كأن هذا
الموضوع لا يعني أحدًا ، فالظلم في هذه الآية أنه لم يعطِها حقَّها .
تصور شيكًا بمئة مليون دولار موضوع على الطاولة على ظهره ، يبدو للعين ورقة بيضاء ،
فأنت اضطررت أن تكتب عملية حسابية : 7 × 9 ، كم ناتج عملية ؟ أجريتَ على هذه الورقة
المستطيلة عملية حسابية ، ثم مزقته ، ثم اكتشفت بعد حين أن هذا شيك بمئة مليون دولار ، وكان
يحل لك كل مشاكلك ، تشتري به بيتًا ، ومركبة ، وبيتًا بالمصيف ، ومعملا ، كم تندم ؟ لا تنسَ
هذا المثل في معنى قوله تعالى :
﴿ اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾
( سورة التوبة الآية : 9 )
3 – كلمة لها مدلول الظلم : ماذا قال آنفاً ؟
تسمع درسَ علم ، درسًا في الإعجاز العلمي ، درسا في تفسير القرآن الكريم ، ماذا قال آنفاً ؟
يقول لك : والله الخطبة رائعة ، ماذا قال ؟ والله لا أتذكر شيئًا فلا تؤاخذني ، قال : خطبة رائعة ،
لكن ما تذكر منها شيئًا ، لأنه ليس مع الخطيب ، ولا مع المدرس ، مع همومه ، مع شهواته ، هذه معنى:
﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾
كلام الحق يجب أن يهز أعماقك ، القرآن يجب أن يقشعر جلدك منه .
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾
هؤلاء الذين تركوا منهج الله ، ولم يعبؤوا بآيات الله .
مرة كنت في أمريكا ، وألقيتُ درسًا بمدينة اسمها توليدو ، بعد نهاية الدرس قال لي رجل : أنا
فلان ، أخي فلان ، أنا أعرف أخاه الطبيب ، قال لي : هل تعلم كم قطعت من المسافات حتى آتي
لأستمع لهذا الدرس ؟ قلت له : كم ؟ قال لي : 600 ميلا ، أي ألف كيلومتر ، نحن في الشام في
نعمة كبيرة ، نسمع دروس العلم ، والتفسير ، والحديث ، والسيرة ، وأسماء الله الحسنى بكل يسرٍ
، أَقسم لي بالله أنه قطع 600 ميلاً ليستمع لهذا الدرس ، فإذا كان في بلد الإنسان دروس متوافرة،
ويسهل عليه أن يحضر الدرس ، ويستمع للدرس ، ويكتب بعض الفقرات بالدرس ، فهذه نِعم
كبيرة جداً لا يعرفها إلا مَن فقدها .
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
1 – فرعون مدَّعي الألوهية والربوبية :
فرعون ادعى الألوهية ، وقال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات )
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية : 38 )
وكان في عصر فرعون يعتقدون أن للخير إلهًا ، وللشر إلهًا ، وللشمس إلهًا ، وللقمر إلهًا ، ولليل
إلهًا ، وللنهار إلهًا ، فهي آلهة متعددة ، وفرعون قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾وقال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
2 – الله إلهٌ واحد ، وهو ربُّ العالمين :
رب الخير والشر ، والسماء والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والإنس والجن :
﴿ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الإله الواحد .
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
( سورة الأعراف )
رسُلُ الله لا تقول إلا الحقَّ :
لا يليق برسول الله الذي أرسله الله لهداية خلقه أن يتكلم بغير الحق :
﴿ حَقِيقٌ ﴾ لا يليق لرسول الله أن لا يقول إلا الحق .
أذكر لكم قصة سريعة ؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال قبيل موقعة بدر :
((لا تقتلوا عمي العباس ))[ ورد في الأثر ]
عمه العباس كان في مكة ، وأحد الصحابة ، و الصحابة غير معصومين ، قال : << أحدُنا يقتل
أباه وأخاه ، وينهانا النبي عن قتل عمه ؟ >> ، فوقع في نفسه شيء ، ثم تبين أن عمه العباس
كان مسلماً ، وأنه كان عينَه في مكة ، فما مِن أمر يحدث إلا وينقل إلى النبي عن طريق عمه
العباس ، فإدارة النبي كانت إدارة ذكية جداً ، له عيون ، وأن عمه كتم إيمانه وإسلامه ، فعمه إن
لم يخرج مع المشركين ليلقى محمداً وأصحابه في بدر كشف نفسه ، وانتهت مهمته ، وانتهى
دوره ، وإن قال النبي الكريم : عمي لقد أسلم ، لانتقل الخبر إلى قريش ، وانكشفت الحقيقة ،
وتنتهي مهمته ، وينتهي دوره ، وإن سكت النبي الكريم وهو عند أصحابه مشرك ، وهم في
حرب ، واحتمال كبير أن يُقتل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لحكمة بالغةٍ لا يستطيع إلا أن يقول هذه الكلمات:
(( لا تقتلوا عمي العباس ))
فقط ، فهذا الصحابي ظن في نفسه شيئاً ، بعد أن كشفت الحقيقة يقول هذا الصحابي : << والله
ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله >> .
رسول يتحزب لأقربائه؟ هذا مستحيل! إذا أكرم الله عز وجل إنسان بالدعوة إلى الله ، مع أنه غير معصوم ، لكن من الممكن أن يتكلم كلامًا لمصلحته .
النبي الكريم لما مات ابنه إبراهيم الصحابة من باب محبتهم للنبي توهموا ، وقد كسفت الشمس ،
أن الشمس كسفت لموت إبراهيم ، فأيّ إنسان إذا كانت له دعوة متواضعة ، وأحد التلامذة ظن أن
هذا الحدث الكبير من أجل شيخه ، فهل يبقى الشيخ ساكتًا ؟ ويقول : إنها مفيدة جداً ، ولا يتكلم
بشيء ، لأنها تدعم مركزه ، لا ، لقد وقف النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً ، وقال :
(( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن المغيرة بن شعبة ]
لابد أن تكون رجلا علميًّا ، لا تعش في الوهم ، المؤمن أمين على هذه الدعوة ، لا يفلسف شيئًا
لمصلحته ولا يوهم ، ولا يبالغ ، ولا يبرز شخصه ، المؤمن الصادق في التعتيم يبرز حقيقة هذا
الدين ، وحقيقة هذا النبي الكريم .
﴿ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الإله واحد ، رب العوالم كلها .
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾
لا يليق بنبي كريم أرسله الله لهداية الخلق أن يقول كلاماً لمصلحته .
طرفة : مرة أردت أن اشتري ستارة لغرفة الضيوف ، فسألت أحد الباعة ، قال لي : يا أستاذ ،
يجب أن نقطع من الثوب ضعف عرض الحائط ، زائد متر ، حتى تأتي الستارة مثنات تكون
جميلة جداً ، أقنعي بعد شبهِ محاضرة ، عرض الحائط ثلاثة أمتار ، ضرب اثنين ، ستة ، زائد
متر واحد سبعة ، أنا اخترت ثوبًا ، لما قاسه وجده أقلّ من الضعف ، خمسة أمتار ، قال لي : هذا
المطرز بهذا القياس أحلى ، فوراً أعطاني حقيقة ثانية ، هو ينطق عن الهوى لمصلحته ، أعجبني
هذا الثوب ، لكنه أعطى قاعدة أخرى ، ما دام مطرزا فهو بهذا القياس أجمل .
صدقوا أيها الإخوة ، إن تسعة أعشارِ كلامِ الناس عن هوى ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد
قال الله في حقِّه :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
1 – قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُم
معي دليل ، معي بينة ، معي آية ، معي معجزة .
2 – فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
يبدو أن هؤلاء القوم ظلمهم فرعون ، ذبح أبناءَهم ، واستحيا نساءَهم .
فيما تروي بعض الروايات أن إنسان رأى أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملك
فرعون ، فأُخبر بهذه الرؤيا ، أو بهذا المنام ، وفرعون جبار ، طاغية ، سفاح ، فأمر أن يقتل
أبناء بني إسرائيل ، وأية قابلة لا تخبر عن ولادة طفل ذكر تُقتل مكانه ، المشكلة هذا حلها عند
فرعون ، أما هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه فإنه رباه في قصره ، أنت تريد ، والله يريد ، والله يفعل ما يريد .
(( ابن آدم ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، ابن آدم ، إذا سلّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ،
وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))[ورد في الأثر]
مع الله عز وجل ليس هناك إنسان ذكي إطلاقاً ، بل يُؤتَى الحذِرُ من مَأمَنِه ، وكما قيل: عرفت
الله من نقض العزائم .
﴿ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
الحقيقة أن فرعون يغُد مدّعِيًّا أنه هناك آلهة ، أو أنه هو إله ، قال :
﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
إنسان يقتل بلا حساب ، وقتل الإنسان أهون عليه من قتل ذبابة ، لمَ لم يقتل سيدنا موسى ؟ لأن
فرعون بيد الله عز وجل ، هذا هو الإيمان والتوحيد ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ حتى إن كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرّب أجلاً ، قال فرعون :
﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
المعجزة الأولى لموسى : فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
سيدنا موسى :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
( سورة الأعراف )
1 – قصة عصا موسى :
لكن لحكمة بالغةٍ بالغة في المناجاة قال الله عز وجل لسيدنا موسى :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾
( سورة طه )
ألا يعلم اللهُ ما بيمينه؟ إنه سؤال عجيب ، الجواب :
﴿ هِيَ عَصَايَ ﴾
( سورة طه الآية : 18 )
لكن يبدو أن هذا النبي الكريم الذي ناجى ربه وأنِسَ بهذه المناجاة ، فأراد أن يفتعل معاني فرعية ليتابع المناجاة ، قال:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾
﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾
( سورة طه الآية : 18 )
فخجل ، وقال : لعلي أطلت ، لعلي أجبت إجابة ما أرادها الله ، قال :
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
( سورة طه )
إذا سمح الله عز وجل لي أن أتابع وأقول لي: ما هذه المآرب يا موسى؟ كلام دقيق جداً:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى﴾
الحقيقة لحكمة بالغةٍ الله عز وجل أراد أن يلفت نظره ، هذه التي بيدك ما هي ؟ عصا من خشب ، من خشب يبس ، أصلها نبات ، انتقال النبات ، وأن تعود هذه العصا غصناً نضراً مورقاً مزهراً معجزة ، فما قولك إذا انتقلت من الجماد ، إلى النبات ، إلى الحيوان ؟
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾
انتبه ، هذه التي بيدك عصا ، وهي جماد ، ومستحيل أن تعود غصنا مزهرا مورقًا ، لكنه بعد قليل سوف تكون حية تسعى :
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾
( سورة طه )
2 – التجربة الأولى للعصا : التحوُّلُ إلى حية صغيرة أمام موسى :
هذه أول تجربة ، الله جعلها له حية صغيرة ، حتى لا يخاف .
﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾
( سورة طه )
حينما قابل فرعون يكون واثق من نفسه ، ولو أن الله قال له : حينما تقابل فرعون ألقِ العصا تكن ثعباناً ، لكن ما معه تجربة ، فطمأنه ، صار إلقاء تدريبيا ، فاطمأن ، هذه العصا الجامدة أصبحت حية تسعى .
3 – التجربة الثانية للعصا : التحوُّلُ إلى ثعبان كبير أمام فرعون :
أمام فرعون قال له :
﴿ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
بعض المستشرقين قال : إن في القرآن تناقضًا ، مرة يقول : حية ، ومرة يقول : ثعبان ، لكن هي حية على انفراد فيما بينه وبين الله ، حتى لا يخاف لأنه بشر ، تصور رجلاً أُلقِي أمامه عصا فإذا هي ثعبان بطول 12 مترا ، لكن المرة الثانية وثق من نفسه :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
المعجزة الثانية لموسى : وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
وسيدنا كان موسى أسمر اللون ، قال تعالى :
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
مرة قال سيدنا علي : << والله ، والله ، مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، مستحيل وكنس أرض الحجاز في عاصف بريشتين ، أيضاً مستحيل ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، أيضاً مستحيل ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أيضاً مستحيل .
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾
وفي رواية : كأنها كوكب دري تتألق تضيء .
الحقيقة بهاتين الآيتين هزّ كيان فرعون ، فرعون إله ، فرعون قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
فرعون قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
بهاتين المعجزتين هز كيانه ، فصغر فرعون ، وانكمش ، وتطامن ، وحُجِّم ، وحوْل فرعون منافقون.
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
( سورة الأعراف )
أي أنت يا فرعون إله ، وتبقى إلهنا ، وهذا ساحر :
﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
بعضهم قال : هذا كلام فرعون :
﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
متى كان يقول ملك جبار:
﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
ضعُف ، وتحجّم ، وصغُر :
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
تابع فرعون :
﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
القضية أكبر بكثير ، ليست موضوع سحر ، القضية تحتاج لإعداد كبير ، القضية لا تحتمل حلاًّ آنياً .
﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
عمِّم على كل البلاد أن يأتوك بالسحرة المتفوقين الكبار :
﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾
( سورة الأعراف )
الحقيقة أنه هو الساحر ، ويعلم علم اليقين أن هذا الذي رآه ليس سحراً ، بل ثعبان مبين حقيقي، هذا من النفاق ، والمنافق هو هوَ.
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾
السحرة في موعد التحدي مع نبي الله موسى :
1 – وصولُ السحرة إلى مكان التحدي :
﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
أي جاءوا فرعونَ ، ووصلوا إلى قصره .
2 – طلب السحرة أجرا من فرعون عند الغلبة والنصر :
﴿ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
فرعون ضعف مركزه ، وتزعزعت مكانته ، وانهزّ ، وتطامن ، تحجّم ، صغُر ، عرف أن هذا الإله المدعي الألوهية جاء من يهز كيانه:
﴿ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً ﴾
أرادوا أن يستغلوا ضعف فرعون :
﴿ إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
3 – تشجيع فرعون السحرةَ بالمكافآت المغرية :
﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
بلا تردد ، وفوق الأجر :
﴿ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
نتابع تتمة القصة في الدرس القادم إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين.
تفسير الآيات 103-115، قصة سيدنا موسى مع فرعون
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-04-04
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا
من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مقدمة:
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثالثة
بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾
1 ـ الأنبياء قدوة للبشر :
أيها الإخوة ، في القرآن الكريم قصص الأنبياء ، هؤلاء الأنبياء قمم البشر ، وقد تخلقوا بالكمال
البشري ، وهم في الحقيقة قدوة لنا نحن البشر ، هؤلاء الأنبياء لا يغفلون عن الله لحظة ، كما قال
عليه الصلاة والسلام :
(( وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ))[ متفق عليه ]
هؤلاء الذين عرفوا الحقيقة ، عرفوا ربهم ، عرفوا سر وجودهم ، عرفوا غاية وجودهم ،
استناروا بنور ربهم ، حملوا هموم البشر ، نقلوا رسالة الله لخلقه .
2 ـ قصصُ الأنبياء فيها دروسٌ وعِبرٌ :
الله عز وجل يقص علينا قصصهم لتكون هذه القصص عبرة لنا :
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة يوسف الآية : 111 )
بل إن الله سبحانه وتعالى لعل في رواية قصصهم موعظة لأنبيائه أنفسهم ، الآية الكريمة :
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
( سورة هود الآية : 120 )
فإذا كان قلب سيد الخلق ، وحبيب الحق ، يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا
إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى .
أنت مؤمن ، الحياة فيها صعوبات ، فيها مصائب ، فيها ابتلاء ، فيها قهر ، فيها فقر ، فيها مرض
، فإذا قرأت قصة سيدنا يونس ، حينما وجد نفسه فجأة في بطن حوت ، هل من مصيبة أكبر من
هذه المصيبة؟
الأمل معدوم ، لا أمل بمعطيات الواقع ولا بواحد من المليار ، وهو في بطن الحوت :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
لكن أنت مؤمن ، الذي يعطيك صعقة إيمانية التعقيبُ :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هذه لسيدنا يونس ، ولكل مؤمن ، فلا تقلق ، ولا تحزن ، كن مع الله ولا تُبَالِ ، كن مع الله ترَ الله
معك ، اسأل الله حاجتك ، توسل إليه بعمل صالح ، بصدقة ، ناجِه في الليل ، اعرض أمامه
مشكلتك ، ليكن الحوار بينك وبين الله عز وجل ، لتكن المناجاة بينك وبينه ، اشكُ له ما تعاني ،
اسأله مِلْحَ طعامك ، اسأله شسع نعلك إذا انقطع ، هذه كله أحاديث شريفة ، اسأله حاجتك كلها .
قصص الأنبياء ليست لأخذ العلم ، ولكن للإقتداء ، إياك أن تقرأ قصة نبي على أنها قصة ، لا ،
هي درس لك ، توجيه لك ، منهج لك ، طريق إلى الله .
فيا أيها الإخوة:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾
الآن نحن أمام قصة طويلة جداً ، لكن هذه القصة فيها من المواعظ والدروس والاستنباطات ،
والحقائق والقوانين والقواعد ما يملأ حياتنا أمناً وطمأنينة ، واستنارة وطريقاً ترسمه هذه
القصص إلى الله عز وجل ، بعد أن حدث الله عز وجل عن الأنبياء السابقين جاء دور سيدنا
موسى مع قومه :
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى ﴾
1 ـ الحقُّ قديمٌ ، كلما انطمس بعث الله نبيًّا ليظهره مِن جديد :
كأنه شيء كان تحت الأرض ثم بعثناه ، ماذا نفهم من هذا التصوير ؟ نفهم أن الحق قديم ، وأن
الحق جاء به آدم عليه السلام ، وأنه تمر على البشرية حقب تنطمس فيه الحق ، ثم يأتي النبي
فيظهره ، ثم تنطمس الحقائق ، فيأتي نبي آخر فيظهره ، هذا ما يفهم من كلمة بعثنا ، الحق قديم ،
والحق مركز في فطر الإنسان ، والحق جاء به الأنبياء .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى ﴾
كلما تاه البشر ، كلما غلّبوا مصالحهم على مبادئهم ، كلما غلبوا شهواتهم على مبادئهم ، كلما
انجذبوا إلى الأرض ، وأعرضوا عن السماء تأتي رسالة نبي لتوقظهم ، لترشدهم ، لتنبههم ،
لعلهم ينتبهون إلى سر وجودهم .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا ﴾
2 ـ معنى الآيات:
الآيات العلامات ، الله عز وجل أعطانا قوة إدراكية ، فإذا بعث إلينا نبياً معه أدلة ، معه علامات
، معه أشياء نيرة ، واضحة ، بينة .
الآيات الكونية :
أيها الإخوة ، لا شك أنكم تعلمون أن الآيات أنواع ثلاث ، آيات كونية ، هذا الكون هو الثابت
الأول ، الكون كله ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، فكل شيء في الكون يدلك على الله ،
وكل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، وكل شيء في الكون ينطق بكمال الله ، وكل شيء في
الكون ينطق بوحدانية الله ، الكون من آيات الله الخلقية ، آياته الكونية .
الآيات التكوينية :
أو آياته الخلقية ، لكن أفعاله ، أفعاله آيات أخر ، لكنها آيات تكوينية ، حينما نجّى الله سيدنا موسى
من فرعون فهذه آية كبيرة:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
كيف نجّى الله عز وجل سيدنا موسى ؟ كيف نجّى سيدنا إبراهيم ؟ كيف نجّى سيدنا محمد في
الهجرة ، نجّاه في الغار ، ونجّاه في الطائف ، ونجّاه في الهجرة ، ونجّاه في معركة الخندق ، فهذه
القصص دروس لنا .
الذي أتمناه ثانية: ألا تقرأ قصة في القرآن على أنها قصة ، إنها درس بليغ ، إنها رسالة من الله ،
فهناك آيات كونية ، هي خَلق الله ، هناك آيات تكوينية هي أفعاله .
وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
أنتقل إلى موضوع يخص كل واحد منكم ، ما من الإخوة الحاضرين المستمعين واحد إلا وله مع
الله أيام ، قال تعالى :
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 5 )
مرة كان في أزمة شديدة جداً ، الله عز وجل فرّجها عنه ، أو شبح مصيبة مخيف ألمّ به ، الله عز
وجل صرفه عنه ، أو عدو قوي عنيد حاقد ، الله عز وجل نصره عليه .
أحيانا أن تنجو من مصيبة ، أن يستجيب الله لك دعاءك ، أن يرحمك ، أن يوفقك ، أن يعطيك ،
أن يزوجك ، أن يطلق لسانك في الدعوة إلى الله ، هذه من أيام الله ، قال تعالى:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾
وأنت أيها الأخ المؤمن ، إذا كان لك علاقات مع الله رائعة ، علاقات توفيق ، علاقات تأييد ،
علاقات نصر ، علاقات اتصال ، علاقات حميمة مع الله عز وجل ، هذه الأيام اذكرها .
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾
مرة أحد الملوك في الأندلس هو ابن عباد ، كان يمشي في حديقة قصره ، فرأى بركة ماء ، وقد
أثّرت فيها الرياح ، فكأن سطح الماء سلسلة ، فقال وهو شاعر :
صَنَعَ الريحُ من الماءِ زَرَد
* * *
يعني كالسلاسل ، فلم يستطيع إكمال البيت ، فسمع جارية وراءه تقول :
أَيُّ درعٍ لقتالٍ لو جمدْ
* * *
فأعجب بهذه الجارية ، وتزوجها ، وأكرمها إكراما ما بعدها إكرام ، أكرمها إكراماً يفوق حد
الخيال ، مرة حنّت إلى حياتها الفقيرة ، فأحبّت أن تمشي في الطين ، فجاء لها بالمسك والعنبر ،
وخلطه بماء الزهر ، وقال لها : هذا هو الطين ، دوسي فيه ، ثم عُزل عن ملكه ، ودخل السجن ،
وفي ساعة علاقة سيئة بينه وبينها قالت له : ما رأيت منك خير قط ! فعاتبها ، وقال لها : ولا يوم الطين ؟!
أحياناً الأمور ليست كما ينبغي ، فتتضايق ، ذكّر نفسك بأيام الله ، يوم وفقك في الدراسة ، وفقك
في الزواج ، عرّفك بذاته العلية ، ساقك إلى أهل الحق ، وما مِن إنسان ما له أيام مع الله ،
فالإنسان البطل لا ينسى هذه الأيام ، من باب الوفاء :
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
إذاً : الله عز وجل له آيات كونية ، وله آيات تكوينية ، وله آيات قرآنية ، فخَلقه آية ، وأفعاله آية ،
وكلامه آية ، وهذه الآيات هي الطرائق إلى الله عز وجل ، بما أن أصل الدين معرفة الله ، الله
تعرفه من خَلقه ، ومن أفعاله ، ومن كلامه .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ
معنى الملأ :
ما معنى كلمة
﴿ وَمَلَئِهِ ﴾
?بعضهم قال: الملأ الرجال الذين يملؤون العين ، شكل ، جسم ، ذكاء ، فصاحة ، بيان ، منطق
، قوة شخصية ، هؤلاء الملأ ، فمن معاني كلمة ملأ أنهم يملؤون العين والسمع ، وإن يقولوا
تسمع لقولهم ، إن تطلع عليهم يملؤون عينك مهابة .
دخل إنسان يملأ العين على أبي حنيفة ، وكان يلقي درساً ، ويبدو أن في رِجل أبي حنيفة ألماً ،
فاضطر أن يمدها ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رؤي ماداً رجليه قط ، لكن المعذور
معذور ، فدخل إنسان عظيم الهيئة ، عريض المنكبين ، يرتدي جبة وعمامة ، وجلس في الدرس
، فاستحيا منه ، ورفع رجله ، والحديث كان عن صلاة الصبح ، وشرح أبو حنيفة المسألة ، وبعد
نهاية الشرح سأله هذا الإنسان الذي يملأ العين والسمع ، قال له : ماذا نفعل إذا طلعت الشمس
قبل الفجر ؟ قال له : عندئذ يمد أبو حنيفة رِجله .
الأصل أن الملأ رجال يملؤون العين والسمع .
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾فَظَلَمُوا بِهَا
1 – الحديث عن الدنيا تكون الآذان له مصغية :
حينما تستمع لآية كونية ، ولا تعبأ بها ، وكانت هذه الآية مهيئة كي تنقلك من الظلمات إلى النور
، كانت هذه الآية مهيئة أن تأخذ بيدك إلى الله ، كانت هذه الآية كفيلة أن تهتدي بهدي الله عز
وجل ، فإذا لم تعبأ بها فأنت ظالم .
لاحظ الناس في عصور التخلف ، إذا تكلمت في الدنيا تجد الآذان مصغية ، يرهفون السمع ،
يحاورونك ، تتألق عيونهم ، تتورد وجناتهم ، وإن حدَّثتهم في أمر الدين رأيتَهم ينامون ،
ويتثاءبون ، ويعتذرون ، هذه مشكلة كبيرة جداً:﴿ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾
أمور التجارة ، والبيع والشراء ، وأسعار العملات ، والبيوت ، والشركات ، والبنوك الإسلامية ،
آذان لها مصغية .
2 – الحديث عن الله واليوم الآخر لا يلقى له آذانا مصغية :
فإذا جاء الحديث عن الله عز وجل ، وعن رسله ، وعن جنته ، وعن الدار الآخرة ، كأن هذا
الموضوع لا يعني أحدًا ، فالظلم في هذه الآية أنه لم يعطِها حقَّها .
تصور شيكًا بمئة مليون دولار موضوع على الطاولة على ظهره ، يبدو للعين ورقة بيضاء ،
فأنت اضطررت أن تكتب عملية حسابية : 7 × 9 ، كم ناتج عملية ؟ أجريتَ على هذه الورقة
المستطيلة عملية حسابية ، ثم مزقته ، ثم اكتشفت بعد حين أن هذا شيك بمئة مليون دولار ، وكان
يحل لك كل مشاكلك ، تشتري به بيتًا ، ومركبة ، وبيتًا بالمصيف ، ومعملا ، كم تندم ؟ لا تنسَ
هذا المثل في معنى قوله تعالى :
﴿ اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾
( سورة التوبة الآية : 9 )
3 – كلمة لها مدلول الظلم : ماذا قال آنفاً ؟
تسمع درسَ علم ، درسًا في الإعجاز العلمي ، درسا في تفسير القرآن الكريم ، ماذا قال آنفاً ؟
يقول لك : والله الخطبة رائعة ، ماذا قال ؟ والله لا أتذكر شيئًا فلا تؤاخذني ، قال : خطبة رائعة ،
لكن ما تذكر منها شيئًا ، لأنه ليس مع الخطيب ، ولا مع المدرس ، مع همومه ، مع شهواته ، هذه معنى:
﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾
كلام الحق يجب أن يهز أعماقك ، القرآن يجب أن يقشعر جلدك منه .
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾
هؤلاء الذين تركوا منهج الله ، ولم يعبؤوا بآيات الله .
مرة كنت في أمريكا ، وألقيتُ درسًا بمدينة اسمها توليدو ، بعد نهاية الدرس قال لي رجل : أنا
فلان ، أخي فلان ، أنا أعرف أخاه الطبيب ، قال لي : هل تعلم كم قطعت من المسافات حتى آتي
لأستمع لهذا الدرس ؟ قلت له : كم ؟ قال لي : 600 ميلا ، أي ألف كيلومتر ، نحن في الشام في
نعمة كبيرة ، نسمع دروس العلم ، والتفسير ، والحديث ، والسيرة ، وأسماء الله الحسنى بكل يسرٍ
، أَقسم لي بالله أنه قطع 600 ميلاً ليستمع لهذا الدرس ، فإذا كان في بلد الإنسان دروس متوافرة،
ويسهل عليه أن يحضر الدرس ، ويستمع للدرس ، ويكتب بعض الفقرات بالدرس ، فهذه نِعم
كبيرة جداً لا يعرفها إلا مَن فقدها .
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
1 – فرعون مدَّعي الألوهية والربوبية :
فرعون ادعى الألوهية ، وقال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات )
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية : 38 )
وكان في عصر فرعون يعتقدون أن للخير إلهًا ، وللشر إلهًا ، وللشمس إلهًا ، وللقمر إلهًا ، ولليل
إلهًا ، وللنهار إلهًا ، فهي آلهة متعددة ، وفرعون قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾وقال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
2 – الله إلهٌ واحد ، وهو ربُّ العالمين :
رب الخير والشر ، والسماء والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والإنس والجن :
﴿ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الإله الواحد .
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
( سورة الأعراف )
رسُلُ الله لا تقول إلا الحقَّ :
لا يليق برسول الله الذي أرسله الله لهداية خلقه أن يتكلم بغير الحق :
﴿ حَقِيقٌ ﴾ لا يليق لرسول الله أن لا يقول إلا الحق .
أذكر لكم قصة سريعة ؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال قبيل موقعة بدر :
((لا تقتلوا عمي العباس ))[ ورد في الأثر ]
عمه العباس كان في مكة ، وأحد الصحابة ، و الصحابة غير معصومين ، قال : << أحدُنا يقتل
أباه وأخاه ، وينهانا النبي عن قتل عمه ؟ >> ، فوقع في نفسه شيء ، ثم تبين أن عمه العباس
كان مسلماً ، وأنه كان عينَه في مكة ، فما مِن أمر يحدث إلا وينقل إلى النبي عن طريق عمه
العباس ، فإدارة النبي كانت إدارة ذكية جداً ، له عيون ، وأن عمه كتم إيمانه وإسلامه ، فعمه إن
لم يخرج مع المشركين ليلقى محمداً وأصحابه في بدر كشف نفسه ، وانتهت مهمته ، وانتهى
دوره ، وإن قال النبي الكريم : عمي لقد أسلم ، لانتقل الخبر إلى قريش ، وانكشفت الحقيقة ،
وتنتهي مهمته ، وينتهي دوره ، وإن سكت النبي الكريم وهو عند أصحابه مشرك ، وهم في
حرب ، واحتمال كبير أن يُقتل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لحكمة بالغةٍ لا يستطيع إلا أن يقول هذه الكلمات:
(( لا تقتلوا عمي العباس ))
فقط ، فهذا الصحابي ظن في نفسه شيئاً ، بعد أن كشفت الحقيقة يقول هذا الصحابي : << والله
ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله >> .
رسول يتحزب لأقربائه؟ هذا مستحيل! إذا أكرم الله عز وجل إنسان بالدعوة إلى الله ، مع أنه غير معصوم ، لكن من الممكن أن يتكلم كلامًا لمصلحته .
النبي الكريم لما مات ابنه إبراهيم الصحابة من باب محبتهم للنبي توهموا ، وقد كسفت الشمس ،
أن الشمس كسفت لموت إبراهيم ، فأيّ إنسان إذا كانت له دعوة متواضعة ، وأحد التلامذة ظن أن
هذا الحدث الكبير من أجل شيخه ، فهل يبقى الشيخ ساكتًا ؟ ويقول : إنها مفيدة جداً ، ولا يتكلم
بشيء ، لأنها تدعم مركزه ، لا ، لقد وقف النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً ، وقال :
(( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن المغيرة بن شعبة ]
لابد أن تكون رجلا علميًّا ، لا تعش في الوهم ، المؤمن أمين على هذه الدعوة ، لا يفلسف شيئًا
لمصلحته ولا يوهم ، ولا يبالغ ، ولا يبرز شخصه ، المؤمن الصادق في التعتيم يبرز حقيقة هذا
الدين ، وحقيقة هذا النبي الكريم .
﴿ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الإله واحد ، رب العوالم كلها .
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾
لا يليق بنبي كريم أرسله الله لهداية الخلق أن يقول كلاماً لمصلحته .
طرفة : مرة أردت أن اشتري ستارة لغرفة الضيوف ، فسألت أحد الباعة ، قال لي : يا أستاذ ،
يجب أن نقطع من الثوب ضعف عرض الحائط ، زائد متر ، حتى تأتي الستارة مثنات تكون
جميلة جداً ، أقنعي بعد شبهِ محاضرة ، عرض الحائط ثلاثة أمتار ، ضرب اثنين ، ستة ، زائد
متر واحد سبعة ، أنا اخترت ثوبًا ، لما قاسه وجده أقلّ من الضعف ، خمسة أمتار ، قال لي : هذا
المطرز بهذا القياس أحلى ، فوراً أعطاني حقيقة ثانية ، هو ينطق عن الهوى لمصلحته ، أعجبني
هذا الثوب ، لكنه أعطى قاعدة أخرى ، ما دام مطرزا فهو بهذا القياس أجمل .
صدقوا أيها الإخوة ، إن تسعة أعشارِ كلامِ الناس عن هوى ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد
قال الله في حقِّه :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
1 – قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُم
معي دليل ، معي بينة ، معي آية ، معي معجزة .
2 – فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
يبدو أن هؤلاء القوم ظلمهم فرعون ، ذبح أبناءَهم ، واستحيا نساءَهم .
فيما تروي بعض الروايات أن إنسان رأى أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملك
فرعون ، فأُخبر بهذه الرؤيا ، أو بهذا المنام ، وفرعون جبار ، طاغية ، سفاح ، فأمر أن يقتل
أبناء بني إسرائيل ، وأية قابلة لا تخبر عن ولادة طفل ذكر تُقتل مكانه ، المشكلة هذا حلها عند
فرعون ، أما هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه فإنه رباه في قصره ، أنت تريد ، والله يريد ، والله يفعل ما يريد .
(( ابن آدم ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، ابن آدم ، إذا سلّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ،
وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))[ورد في الأثر]
مع الله عز وجل ليس هناك إنسان ذكي إطلاقاً ، بل يُؤتَى الحذِرُ من مَأمَنِه ، وكما قيل: عرفت
الله من نقض العزائم .
﴿ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
الحقيقة أن فرعون يغُد مدّعِيًّا أنه هناك آلهة ، أو أنه هو إله ، قال :
﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
إنسان يقتل بلا حساب ، وقتل الإنسان أهون عليه من قتل ذبابة ، لمَ لم يقتل سيدنا موسى ؟ لأن
فرعون بيد الله عز وجل ، هذا هو الإيمان والتوحيد ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ حتى إن كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرّب أجلاً ، قال فرعون :
﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
المعجزة الأولى لموسى : فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
سيدنا موسى :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
( سورة الأعراف )
1 – قصة عصا موسى :
لكن لحكمة بالغةٍ بالغة في المناجاة قال الله عز وجل لسيدنا موسى :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾
( سورة طه )
ألا يعلم اللهُ ما بيمينه؟ إنه سؤال عجيب ، الجواب :
﴿ هِيَ عَصَايَ ﴾
( سورة طه الآية : 18 )
لكن يبدو أن هذا النبي الكريم الذي ناجى ربه وأنِسَ بهذه المناجاة ، فأراد أن يفتعل معاني فرعية ليتابع المناجاة ، قال:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾
﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾
( سورة طه الآية : 18 )
فخجل ، وقال : لعلي أطلت ، لعلي أجبت إجابة ما أرادها الله ، قال :
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
( سورة طه )
إذا سمح الله عز وجل لي أن أتابع وأقول لي: ما هذه المآرب يا موسى؟ كلام دقيق جداً:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى﴾
الحقيقة لحكمة بالغةٍ الله عز وجل أراد أن يلفت نظره ، هذه التي بيدك ما هي ؟ عصا من خشب ، من خشب يبس ، أصلها نبات ، انتقال النبات ، وأن تعود هذه العصا غصناً نضراً مورقاً مزهراً معجزة ، فما قولك إذا انتقلت من الجماد ، إلى النبات ، إلى الحيوان ؟
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾
انتبه ، هذه التي بيدك عصا ، وهي جماد ، ومستحيل أن تعود غصنا مزهرا مورقًا ، لكنه بعد قليل سوف تكون حية تسعى :
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾
( سورة طه )
2 – التجربة الأولى للعصا : التحوُّلُ إلى حية صغيرة أمام موسى :
هذه أول تجربة ، الله جعلها له حية صغيرة ، حتى لا يخاف .
﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾
( سورة طه )
حينما قابل فرعون يكون واثق من نفسه ، ولو أن الله قال له : حينما تقابل فرعون ألقِ العصا تكن ثعباناً ، لكن ما معه تجربة ، فطمأنه ، صار إلقاء تدريبيا ، فاطمأن ، هذه العصا الجامدة أصبحت حية تسعى .
3 – التجربة الثانية للعصا : التحوُّلُ إلى ثعبان كبير أمام فرعون :
أمام فرعون قال له :
﴿ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
بعض المستشرقين قال : إن في القرآن تناقضًا ، مرة يقول : حية ، ومرة يقول : ثعبان ، لكن هي حية على انفراد فيما بينه وبين الله ، حتى لا يخاف لأنه بشر ، تصور رجلاً أُلقِي أمامه عصا فإذا هي ثعبان بطول 12 مترا ، لكن المرة الثانية وثق من نفسه :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
المعجزة الثانية لموسى : وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
وسيدنا كان موسى أسمر اللون ، قال تعالى :
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
مرة قال سيدنا علي : << والله ، والله ، مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، مستحيل وكنس أرض الحجاز في عاصف بريشتين ، أيضاً مستحيل ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، أيضاً مستحيل ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أيضاً مستحيل .
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾
وفي رواية : كأنها كوكب دري تتألق تضيء .
الحقيقة بهاتين الآيتين هزّ كيان فرعون ، فرعون إله ، فرعون قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
فرعون قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
بهاتين المعجزتين هز كيانه ، فصغر فرعون ، وانكمش ، وتطامن ، وحُجِّم ، وحوْل فرعون منافقون.
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
( سورة الأعراف )
أي أنت يا فرعون إله ، وتبقى إلهنا ، وهذا ساحر :
﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
بعضهم قال : هذا كلام فرعون :
﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
متى كان يقول ملك جبار:
﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
ضعُف ، وتحجّم ، وصغُر :
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾
تابع فرعون :
﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
القضية أكبر بكثير ، ليست موضوع سحر ، القضية تحتاج لإعداد كبير ، القضية لا تحتمل حلاًّ آنياً .
﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
عمِّم على كل البلاد أن يأتوك بالسحرة المتفوقين الكبار :
﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾
( سورة الأعراف )
الحقيقة أنه هو الساحر ، ويعلم علم اليقين أن هذا الذي رآه ليس سحراً ، بل ثعبان مبين حقيقي، هذا من النفاق ، والمنافق هو هوَ.
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾
السحرة في موعد التحدي مع نبي الله موسى :
1 – وصولُ السحرة إلى مكان التحدي :
﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
أي جاءوا فرعونَ ، ووصلوا إلى قصره .
2 – طلب السحرة أجرا من فرعون عند الغلبة والنصر :
﴿ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
فرعون ضعف مركزه ، وتزعزعت مكانته ، وانهزّ ، وتطامن ، تحجّم ، صغُر ، عرف أن هذا الإله المدعي الألوهية جاء من يهز كيانه:
﴿ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً ﴾
أرادوا أن يستغلوا ضعف فرعون :
﴿ إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾
3 – تشجيع فرعون السحرةَ بالمكافآت المغرية :
﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
بلا تردد ، وفوق الأجر :
﴿ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
نتابع تتمة القصة في الدرس القادم إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين.
|
منصورة- المديرة العامة النائبة الاولى
- تاريخ التسجيل : 05/09/2010
العمل/الترفيه : تقنية سامية بالصحة بشهادة دولة(متقاعدة)
الموقع : منتدى منصورة والجميع
رد: تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة الأعراف 007
سلمت أناملك الذهبية عالطرح الرائع
الذي أنار صفحات المنتدى
بكل ماهو جديد لك مني أرق وأجمل التحايا
على هذا التألق والأبداع
الذي أنار صفحات المنتدى
بكل ماهو جديد لك مني أرق وأجمل التحايا
على هذا التألق والأبداع
|
Ahmad12- كبار الشخصيات
- تاريخ التسجيل : 10/10/2014
رد: تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة الأعراف 007
لاجديد سوى رائحة التميز
تثور من هنا ومن خلال هذا الطرح
بالتوفيق الدائم
ننتظر جديدكم القادم
|
خديجة نجيب- المديرة العامة النائبة الاولى
- تاريخ التسجيل : 12/10/2013
مواضيع مماثلة
» القرآن الكريم » تفسير ابن كثير » سورة الصف
» تفسير القرآن الكريم
» موقع تفسير القرآن الكريم
» تفسير القرآن الكريم ب7 لغات
» تفسير القرآن الكريم بالمااااااوس
» تفسير القرآن الكريم
» موقع تفسير القرآن الكريم
» تفسير القرآن الكريم ب7 لغات
» تفسير القرآن الكريم بالمااااااوس
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى