حبيبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم

حبيبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

إن سيرته صلى الله عليه وسلم عطرة ومفعمة بكل ما يشعرك أنك أمام نموذج وهب الكمال والامتياز والعبقرية في كل شئ وفي كل صفة وفي كل حركة يقوم بها أوخطوة يخطوها وفي كل جانب من جوانب شخصيته الكريمة .. كمال وامتياز وعبقرية يستحيل أن تجتمع في شخص واحد، مثلما يستحيل على البشر ـ من اتساعها وتعدد أوجهها أن يحتذوها ـ وهم المجدون ـ بكل حذافيرها، وإنما يكفيهم تقليد بعضها ، كل بما يفتح الله عليه .. مثلما أنه كمال يجمع المتناقضات في أحيان كثيرة .. ولابد من إيضاح لهذه النقطة بالتفصيل ..
لقد اجتمعت له ـ عليه الصلاة والسلام ـ الصفات المتنافرة فيما بينها مما لايمكن أن تلتقي في بوتقة واحدة أو في كيان واحد، اجتمع له ـ مثلاً الانتصار والتواضع ، وهما فيهما من التناقض ما فيهما .. فأين في البشر ذلك النموذج الذي يفتح الله له بلدً ، بعد عشرين عاماً من الكفاح ، يكون فيه بداية فتحه الكبير، ثم يدخله محنياً على ظهر(راحلته) تواضعاً لله الذي نصره.
واجتمعت له صفتا القوة والرحمة .. فأين في التاريخ البشري القائد الفاتح المنتصر الذي يقول لخصومه ممن قابلوه أمس القريب بالأذي وسلا البعير: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء).
واجتمعت له ـ أفديه بنفسي ـ الجديه والحزم ، مع الايجابية والفاعلية في حياته كلها، ولو دعاه ذلك إلى الجنوح نحو (الطرفة) أحياناً أو (الدعابة) مرات أو اللهو مما يأتيه ـ عادة ـ عامة الناس وأفرادهم ..
فأين هو رجل الدولة الذي يخاطب (كسرى) و(قيصر) بندية بل وبتفوق، ثم يجد في (أجندته)
ووقته واهتماماته فسحة لأن يواسي (أبا عمير) الطفل الحزين على عصفوره ويقول له في كل مرة يلقاه : (يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟) .. أو تكون في نفسه ـ قبل وقته ـ تلك (الفجوة)
التي تسري منها رياح المودة والمشاركة والمجاملة فيسابق زوجته لتسبقه مرة ثم يسبقها.
أو وهو يخاطب القادة والملوك بالحزم والصرامة والثقة بالله وبالنفس قائلاً: ( أسلم تسلم )
ثم يلين لأعرابي يقول له: ( لا والله ما أرضيت ولا أجملت). فلا يحتد ولا يأمر السياف، بل يأخذ بيده ويمضي ليكرمه ويرضيه حتى يرضى .
وأين نجد في (العبقريات) البشرية ذلك النموذج الذي يحتد على حبيبه (أسامة بن زيد) يوم يشفع في حد التي سرقت فأمرــ عليه الصلاة والسلام ــ بقطع يدها ، بينما يتغافل في شأن تلك التي جذبه من قميصه حتى أثر ذلك في رقبته صلوات الله تعالى وسلامه عليه .
وأين نجد قائد أمة مثقلاً بالمهام الجسام يعاتب ـ وهوفي أتون المواجهة مع أعداء الدين ـ على تهاونه في صاحبه الأعمى فلا يجد في نفسه من ذلك العتاب حرجاً ، بل ينصاع لأمر القيادة الأعلى ويقول للصاحب وفي أقصى درجات التواضع وخفض الجناح: ( أهلاً بالذي عاتبني فيه ربي ).
إن هذا الجمع من العبقريات لا يتأتى لرجل واحد من البشر .. وهذا الكمال في الصفات كلها مهما تنافرت وتعارضت لايكون في شخص واحد ، إلا لشخص اختاره المولى جل وعز ليكون نبياً وليختم به النبوة والرسالات ،وليكون جملة من القمم لا ليبلغها فرد ما على امتداد التاريخ البشري وإنما ليحاول أن يتطاول إلى سمائها لعله يبلغ من ذلك ما يشاء الله.
لقد آن الأوان أن نعلنها عزمة نقصي فيها كل مايبعدنا أو يشغلنا عن هديه صلوات الله عليه وعن تعاليمه ونوره الذي جاء به .. عزمة نتوقف بها عن التوجه مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال بحثاً عن مرجعية بديلاً عن مرجعية الحق التي تقودنا إلى جنات الدنيا قبل جنات الآخرة .
أما آن الأوان.. أم مايزال مقدراً على البشرية مزيد من الخسائر ومزيد من التيه ومزيد من التضحيات