المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
تفسير (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) للشيخ محمد بن صالح العثيمي رحمه الله
تفسير (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) للشيخ محمد بن صالح العثيمي رحمه الله
باب العفو والإعراض عن الجاهلين
75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قال الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) .وقال تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر:85)
وقال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور:22).
وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134).
وقال تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) .
والآيات في الباب كثيرة معلومة.
1/643- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحُدٍ؟ قال: (( لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلالٍ ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمُرهُ بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمدُ إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت: إن شئت اطبقتُ عليهم الأخشبين" فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) متفق عليه.
((الأخشبان )) : الجبلان المُحيطان بمكة. والأخشبُ: هو الجبل الغليظ.
الشرح
قال المؤلف النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: باب العفو والإعراض عن الجاهلين . ثم ساق آياتٍ تكلمنا عليها سابقاً في أبواب سبقت.
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل مر عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ لأن يوم أحد كان شديداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم حين تجمعت قريش لغزوه، لينتقموا من النبي صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر؛ لأنه قتل في بدر- وهي في السنة الثانية من الهجرة- من زعمائهم أناس لهم شرفٌ وجاه في قريش.
وفي شوال من السنة التي تليها، وهي الثالثة من الهجرة، اجتمعت قريش فجاءوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، استشار أصحابه هل يخرج إليهم، أو يبقى بالمدينة؛ فإذا دخلوا المدينة قاتلهم؟ فأشار عليه الشبان والذين لم يحضروا بدراً أشاروا عليه أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في نحو ألف مقاتل.
إلا أنه انخذل نحو ثلث الجيش؛ لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله، وقالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناك ، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر، ورتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن ترتيب في سفح جبل أحد، وحصل القتال، وانهزم المشركون في أول النهار، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل على ثغر الجبل خمسين رجلاً رامياً يحمون ظهور المسلمين، ولما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم، قالوا لننزل من هذا الجبل حتى نساعد المسلمين على جمع الغنائم، ظنوا هكذا، فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير ذكرهم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال لا تبرحوا مكانكم ، ولا تتعدوه سواء لنا أو علينا، لكنهم - عفا الله عنهم- تعجَّلوا ونزل أكثرهم.
فلما رأى فرسان قريش أن المكان - مكان الرماة- خالياً كروا على المسلمين من الخلف، ومنهم خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل اللذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فدخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بهم، واستشهد من المسلمين سبعون رجلاً، على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويجله.
وحدث للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث؛ ضربوا وجهه وشجوه وصار الدم ينزف على وجهه، وفاطمة رضي الله عنها تغسله، تغسل الدم حتى إذا لم يتوقف أحرقت حصيراً يعني خصافاً من سعف النخل، ودرته عليه حتى وقت، وكسروا رباعيته صلى الله عليه وسلم ، وحصل من البلاء ما حصل.
حصل بلاء عظيمٌ قال الله تعالى فيه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:166،165).
فما دام الأمر بإذنه فهو خير، وحدث في هذا ما حدث من الشدة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وحملوا الشهداء إلى المدينة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يردوا إلى مصارعهم إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك؛ ليخرجوا يوم القيامة من هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته : هل مر عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: نعم ، وذكر لها قصة ذهابه إلى الطائف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسل لما دعا قريشاً في مكة ، ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف؛ ليبلغ كلام الله عزّ وجلّ، ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكة، حيث اجتمعوا هم وسفهاؤهم، وصاروا صفين متقابلين في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعلوا يرمونه بالحجارة، يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلى الله عليه وسلم وخرج مغموماً مهموماً.
ولم يفق صلى الله عليه وسلم إلا وهو في قرن الثعالب، فأظلّته غمامة فرفع رأسه ، فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السلام، وقال له: هذا ملك الجبال يقرؤك السلام فسلم عليه وقال : إن ربي أرسلني إليك، فإن شئت إن أطبق عليهم - يعني - الجبلين- فعلت.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لحلمه وبُعد نظره وتأنيه في الأمر قال: لا ؛ لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا، فقال : (( لا، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)).
وهذا الذي حدث؛ فإن الله تعالى قد أخر من أصلاب هؤلاء المشركين الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذية العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.
فهذا يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث له أشد مما حدث له في أحد، وحدث له أنواع من الأذى لكنه صابر.
ومن أعظم ما كان أنه كان ذات يوم ساجداً تحت الكعبة، يصلي لله- والمسجد الحرام لو يجد الإنسان قاتل أبيه فيه ما قتله-، وكان ساجداً، فقال بعض السفهاء من قريش والمعتدين منهم: أذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بسلاها فضعوه على محمد وهو ساجد، فذهبوا وأتوا بسلا الجزور- الناقة -، والرسول صلى الله عليه وسلم ساجدٌ تحت الكعبة، فوضعوه على ظهره، إهانة له وإغاظة له.
فبقي الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السلا عن ظهره، فقام من السجود، ولما سلم رفع يديه يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش. فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤذى أشد الأذى، ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجى، فبلغه الله- ولله الحمد- مراده وحصل له النصر المبين المؤزر.
وهكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى، لا سيما إذا أوذي في الله، فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ، (( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)) " والله أعلم.
* * *
2/644-عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى. رواه مسلم.
3/645- وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظٌ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فجبذهُ بردائه جبذةٌ شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشيةُ البرد من شدة جبذته ، ثم قال: يا محمدُ مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء متفقٌ عليه.
الشرح
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في باب العفو والإعراض عن الجاهلين، منها حيث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحداً لا خادماً ولا غيره بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وهذا من كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنه لا يضرب أحداً على شيءٍ من حقوقه هو الخاصة به؛ لأن له أن يعفو عن حقه، وله أن يأخذ بحقه.
ولكن إذا انتهكت محارم الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشد ما يكون أخذاً بها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقرّ أحداً على ما يغضب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي من أحوال الناس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلا إذا انتهكت محارم الله، فإنه لا يقر أحداً على ذلك.
ومن الأحاديث التي ساقها قصة هذا الأعرابي، الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة نجرانية غليظة الحاشية، فجبذه ، يعني: جذبه جذباً شديداً، حتى أثرت حاشية الجبة في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الجذب، فالتفت فإذا هو أعرابي يطلب منه عطاءً ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمر له بعطاء.
فانظر إلى هذا الخلق الرفيع؛ لم يوبِّخه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يضربه، ولم يكهر في وجهه، ولم يعبس؛ بل ضحك صلى الله عليه وسل ومع هذا أمر له بعطاء ، ونحن لو أن أحداً فعل بنا هذا الفعل ما أقررناه عليه؛ بل لقاتلناه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)، فإنه التفت إليه وضحك إليه، وأعطاه العطاء.
وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون ذا سعة، وإذا اشتد الناس أن يسترخي هو.
وسئل معاوية رضي الله عنه بم سُست الناس؟ ؛ وذلك لأن معاوية معروف بالسياية والحكمة، فقال : أجعل بيني وبي الناس شعرة؛ إن جذبوها تبعتهم، وإن جذبتها تبعوني لكن لا تنقطع.
ومعنى كلامه أنه سهل الانقياد ؛ لأن الشعرة إذا جعلتها بينك وبين صاحبك إذا جذبها أدنى جذب انقطعت، لكن من حسن سياسته رضي الله عنه أنه كان يسوس الناس بهذه السياسية؛ إذا رأهم مقبلين استقبلهم، وإذا رأهم مدبرين تبعهم حتى يتمكن منهم.
فهكذا ينبغي للإنسان أن يكون دائماً في سياسته رفيقاً حليماً، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حسن الآداب والأخلاق.
4/646- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كأني أنظرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلواتُ الله وسلامهُ عليهم، ضربهُ قومهُ فأدموهُ، وهو يمسحُ الدمَ عن وجههِ، ويقولُ: ((اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمُون)) متفق عليه .
5/647- وعن أبي هُريرة رضي الله عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغضب)) متفقٌ عليه.
الشرح
ومن الأحاديث التي نقلها النووي رحمه الله في رياض الصالحين، في باب العفو والإعراض عن الجاهلين هذا الحديث، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء؛ ضربه قومه حتى أدموا وجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
وهذا من حلم الأنبياء وصبرهم على أذى قومهم، وكم نال الأنبياء من أذى قومهم؟! قال الله تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام:34) فهذا النبي صلى الله عليه وسلم ضربه قومه حتى أدموا وجهه يقول:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وكأن هؤلاء القوم كانوا مسلمين، لكن حصل منهم مغاضبة مع نبيهم ففعلوا هذا معه، فدعا لهم بالمغفرة، إذ لو كانوا غير مسلمين لكان يدعوا لهم بالهداية، فيقول اللهم اهد قومي، لكن هذا الظاهر أنهم كانوا مسلمين.
والحق حقه؛ فله أن يسامح وأن يتنازل عنه، ولهذا كان القول الراجح فيمن سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم تاب أن توبته تقبل، ولكنه يقتل، وأما من سب الله ثم تاب فإن توبته تقبل ولا يقتل، وليس هذا يعني أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من سبّ الله، بل سبّ الله أعظم، لكن الله قد أخبرنا أنه يعفو عن حقه لمن تاب منه، فهذا الرجل تاب فعلمنا أن الله تعالى قد عفا عنه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قد مات، فإذا سبَّه أحد فقد امتهن حقه، فإذا تاب فإن الله يتوب عليه ويغفر له كفره الذي كفره بسبب سبِّه ، ولكن حق الرسول باقٍ فيقتل.
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس الشديد بالصرعة)) يعني ليس القوي الصرعة الذي يصرع الناس إذا صارعهم، والمصارعة معروفة وهي من الرياضة النبوية المباحة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صارع ركانة بن يزيد، وكان هذا الرجل لا يصرعه أحد، فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا الصرعة هو الذي إذا صارع الناس صرعهم، و ليس هذا هو الشديد حقيقة، لكن الشديد الذي يصرع غضبه، إذا غضب غلب غضبه، ولهذا قال: ((وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) هذا هو الشديد.
وذلك لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيفور دمه، فإن كان قوياً ملك نفسه، وإن كان ضعيفاً غلبه الغضب، وحيئنذٍ ربما يتكلم بكلام يندم عليه، أو يفعل فعلاً يندم عليه.
ولهذا قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم : أوصني، قال: (( لا تغضب ))قال: أوصني، قال : (( لا تغضب)) ، ردد مراراً وهو يقول : (( لا تغضب))؛ لأن الغضب ينتج عنه أحياناً مفاسد عظيمة؛ ربما سب الإنسان نفسه، أو سب دينه، أو سب ربه، أو طلق زوجته، أو كسر إناءه، أو أحرق ثيابه، وكثيرٌ من الوقائع تصدر من بعض الناس إذا غضبوا، كأنما صدرت من المجنون.
ولهذا كان القول الراجح أن الإنسان إذا غضب حتى لا يملك نفسه، ثم طلَّق زوجته، فإنها لا تطلق؛ لأن هذا حصل عن غلبته ليس عن اختيار، والطلاق عن الغلبة لا يقع كطلاق المكره، الله الموفق.
-----------------------
536 رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة ، رقم (3231)، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم (1795).
537 مسند أحمد (1/303).
538 رواه مسلم ، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، رقم (2328).
539 رواه البخاري، كتب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، رقم (5809)، ومسلم ، كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، رقم (1057).
540 رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب حديث الغار، رقم (3477)، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، رقم (1792).
541 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم (6114) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب...، رقم (2609).
542 رواه البخاري، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب، رقم (6116).
75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قال الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) .وقال تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر:85)
وقال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور:22).
وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134).
وقال تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) .
والآيات في الباب كثيرة معلومة.
1/643- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحُدٍ؟ قال: (( لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلالٍ ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمُرهُ بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمدُ إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت: إن شئت اطبقتُ عليهم الأخشبين" فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) متفق عليه.
((الأخشبان )) : الجبلان المُحيطان بمكة. والأخشبُ: هو الجبل الغليظ.
الشرح
قال المؤلف النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: باب العفو والإعراض عن الجاهلين . ثم ساق آياتٍ تكلمنا عليها سابقاً في أبواب سبقت.
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل مر عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ لأن يوم أحد كان شديداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم حين تجمعت قريش لغزوه، لينتقموا من النبي صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر؛ لأنه قتل في بدر- وهي في السنة الثانية من الهجرة- من زعمائهم أناس لهم شرفٌ وجاه في قريش.
وفي شوال من السنة التي تليها، وهي الثالثة من الهجرة، اجتمعت قريش فجاءوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، استشار أصحابه هل يخرج إليهم، أو يبقى بالمدينة؛ فإذا دخلوا المدينة قاتلهم؟ فأشار عليه الشبان والذين لم يحضروا بدراً أشاروا عليه أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في نحو ألف مقاتل.
إلا أنه انخذل نحو ثلث الجيش؛ لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله، وقالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناك ، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر، ورتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن ترتيب في سفح جبل أحد، وحصل القتال، وانهزم المشركون في أول النهار، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل على ثغر الجبل خمسين رجلاً رامياً يحمون ظهور المسلمين، ولما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم، قالوا لننزل من هذا الجبل حتى نساعد المسلمين على جمع الغنائم، ظنوا هكذا، فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير ذكرهم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال لا تبرحوا مكانكم ، ولا تتعدوه سواء لنا أو علينا، لكنهم - عفا الله عنهم- تعجَّلوا ونزل أكثرهم.
فلما رأى فرسان قريش أن المكان - مكان الرماة- خالياً كروا على المسلمين من الخلف، ومنهم خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل اللذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فدخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بهم، واستشهد من المسلمين سبعون رجلاً، على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويجله.
وحدث للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث؛ ضربوا وجهه وشجوه وصار الدم ينزف على وجهه، وفاطمة رضي الله عنها تغسله، تغسل الدم حتى إذا لم يتوقف أحرقت حصيراً يعني خصافاً من سعف النخل، ودرته عليه حتى وقت، وكسروا رباعيته صلى الله عليه وسلم ، وحصل من البلاء ما حصل.
حصل بلاء عظيمٌ قال الله تعالى فيه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:166،165).
فما دام الأمر بإذنه فهو خير، وحدث في هذا ما حدث من الشدة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وحملوا الشهداء إلى المدينة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يردوا إلى مصارعهم إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك؛ ليخرجوا يوم القيامة من هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته : هل مر عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: نعم ، وذكر لها قصة ذهابه إلى الطائف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسل لما دعا قريشاً في مكة ، ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف؛ ليبلغ كلام الله عزّ وجلّ، ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكة، حيث اجتمعوا هم وسفهاؤهم، وصاروا صفين متقابلين في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعلوا يرمونه بالحجارة، يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلى الله عليه وسلم وخرج مغموماً مهموماً.
ولم يفق صلى الله عليه وسلم إلا وهو في قرن الثعالب، فأظلّته غمامة فرفع رأسه ، فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السلام، وقال له: هذا ملك الجبال يقرؤك السلام فسلم عليه وقال : إن ربي أرسلني إليك، فإن شئت إن أطبق عليهم - يعني - الجبلين- فعلت.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لحلمه وبُعد نظره وتأنيه في الأمر قال: لا ؛ لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا، فقال : (( لا، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)).
وهذا الذي حدث؛ فإن الله تعالى قد أخر من أصلاب هؤلاء المشركين الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذية العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.
فهذا يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث له أشد مما حدث له في أحد، وحدث له أنواع من الأذى لكنه صابر.
ومن أعظم ما كان أنه كان ذات يوم ساجداً تحت الكعبة، يصلي لله- والمسجد الحرام لو يجد الإنسان قاتل أبيه فيه ما قتله-، وكان ساجداً، فقال بعض السفهاء من قريش والمعتدين منهم: أذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بسلاها فضعوه على محمد وهو ساجد، فذهبوا وأتوا بسلا الجزور- الناقة -، والرسول صلى الله عليه وسلم ساجدٌ تحت الكعبة، فوضعوه على ظهره، إهانة له وإغاظة له.
فبقي الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السلا عن ظهره، فقام من السجود، ولما سلم رفع يديه يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش. فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤذى أشد الأذى، ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجى، فبلغه الله- ولله الحمد- مراده وحصل له النصر المبين المؤزر.
وهكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى، لا سيما إذا أوذي في الله، فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ، (( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)) " والله أعلم.
* * *
2/644-عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى. رواه مسلم.
3/645- وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظٌ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فجبذهُ بردائه جبذةٌ شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشيةُ البرد من شدة جبذته ، ثم قال: يا محمدُ مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء متفقٌ عليه.
الشرح
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في باب العفو والإعراض عن الجاهلين، منها حيث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحداً لا خادماً ولا غيره بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وهذا من كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنه لا يضرب أحداً على شيءٍ من حقوقه هو الخاصة به؛ لأن له أن يعفو عن حقه، وله أن يأخذ بحقه.
ولكن إذا انتهكت محارم الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشد ما يكون أخذاً بها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقرّ أحداً على ما يغضب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي من أحوال الناس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلا إذا انتهكت محارم الله، فإنه لا يقر أحداً على ذلك.
ومن الأحاديث التي ساقها قصة هذا الأعرابي، الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة نجرانية غليظة الحاشية، فجبذه ، يعني: جذبه جذباً شديداً، حتى أثرت حاشية الجبة في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الجذب، فالتفت فإذا هو أعرابي يطلب منه عطاءً ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمر له بعطاء.
فانظر إلى هذا الخلق الرفيع؛ لم يوبِّخه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يضربه، ولم يكهر في وجهه، ولم يعبس؛ بل ضحك صلى الله عليه وسل ومع هذا أمر له بعطاء ، ونحن لو أن أحداً فعل بنا هذا الفعل ما أقررناه عليه؛ بل لقاتلناه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)، فإنه التفت إليه وضحك إليه، وأعطاه العطاء.
وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون ذا سعة، وإذا اشتد الناس أن يسترخي هو.
وسئل معاوية رضي الله عنه بم سُست الناس؟ ؛ وذلك لأن معاوية معروف بالسياية والحكمة، فقال : أجعل بيني وبي الناس شعرة؛ إن جذبوها تبعتهم، وإن جذبتها تبعوني لكن لا تنقطع.
ومعنى كلامه أنه سهل الانقياد ؛ لأن الشعرة إذا جعلتها بينك وبين صاحبك إذا جذبها أدنى جذب انقطعت، لكن من حسن سياسته رضي الله عنه أنه كان يسوس الناس بهذه السياسية؛ إذا رأهم مقبلين استقبلهم، وإذا رأهم مدبرين تبعهم حتى يتمكن منهم.
فهكذا ينبغي للإنسان أن يكون دائماً في سياسته رفيقاً حليماً، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حسن الآداب والأخلاق.
4/646- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كأني أنظرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلواتُ الله وسلامهُ عليهم، ضربهُ قومهُ فأدموهُ، وهو يمسحُ الدمَ عن وجههِ، ويقولُ: ((اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمُون)) متفق عليه .
5/647- وعن أبي هُريرة رضي الله عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغضب)) متفقٌ عليه.
الشرح
ومن الأحاديث التي نقلها النووي رحمه الله في رياض الصالحين، في باب العفو والإعراض عن الجاهلين هذا الحديث، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء؛ ضربه قومه حتى أدموا وجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
وهذا من حلم الأنبياء وصبرهم على أذى قومهم، وكم نال الأنبياء من أذى قومهم؟! قال الله تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام:34) فهذا النبي صلى الله عليه وسلم ضربه قومه حتى أدموا وجهه يقول:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وكأن هؤلاء القوم كانوا مسلمين، لكن حصل منهم مغاضبة مع نبيهم ففعلوا هذا معه، فدعا لهم بالمغفرة، إذ لو كانوا غير مسلمين لكان يدعوا لهم بالهداية، فيقول اللهم اهد قومي، لكن هذا الظاهر أنهم كانوا مسلمين.
والحق حقه؛ فله أن يسامح وأن يتنازل عنه، ولهذا كان القول الراجح فيمن سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم تاب أن توبته تقبل، ولكنه يقتل، وأما من سب الله ثم تاب فإن توبته تقبل ولا يقتل، وليس هذا يعني أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من سبّ الله، بل سبّ الله أعظم، لكن الله قد أخبرنا أنه يعفو عن حقه لمن تاب منه، فهذا الرجل تاب فعلمنا أن الله تعالى قد عفا عنه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قد مات، فإذا سبَّه أحد فقد امتهن حقه، فإذا تاب فإن الله يتوب عليه ويغفر له كفره الذي كفره بسبب سبِّه ، ولكن حق الرسول باقٍ فيقتل.
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس الشديد بالصرعة)) يعني ليس القوي الصرعة الذي يصرع الناس إذا صارعهم، والمصارعة معروفة وهي من الرياضة النبوية المباحة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صارع ركانة بن يزيد، وكان هذا الرجل لا يصرعه أحد، فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا الصرعة هو الذي إذا صارع الناس صرعهم، و ليس هذا هو الشديد حقيقة، لكن الشديد الذي يصرع غضبه، إذا غضب غلب غضبه، ولهذا قال: ((وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) هذا هو الشديد.
وذلك لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيفور دمه، فإن كان قوياً ملك نفسه، وإن كان ضعيفاً غلبه الغضب، وحيئنذٍ ربما يتكلم بكلام يندم عليه، أو يفعل فعلاً يندم عليه.
ولهذا قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم : أوصني، قال: (( لا تغضب ))قال: أوصني، قال : (( لا تغضب)) ، ردد مراراً وهو يقول : (( لا تغضب))؛ لأن الغضب ينتج عنه أحياناً مفاسد عظيمة؛ ربما سب الإنسان نفسه، أو سب دينه، أو سب ربه، أو طلق زوجته، أو كسر إناءه، أو أحرق ثيابه، وكثيرٌ من الوقائع تصدر من بعض الناس إذا غضبوا، كأنما صدرت من المجنون.
ولهذا كان القول الراجح أن الإنسان إذا غضب حتى لا يملك نفسه، ثم طلَّق زوجته، فإنها لا تطلق؛ لأن هذا حصل عن غلبته ليس عن اختيار، والطلاق عن الغلبة لا يقع كطلاق المكره، الله الموفق.
-----------------------
536 رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة ، رقم (3231)، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم (1795).
537 مسند أحمد (1/303).
538 رواه مسلم ، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، رقم (2328).
539 رواه البخاري، كتب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، رقم (5809)، ومسلم ، كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، رقم (1057).
540 رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب حديث الغار، رقم (3477)، ومسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، رقم (1792).
541 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم (6114) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب...، رقم (2609).
542 رواه البخاري، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب، رقم (6116).
|
AMEUR ZIAD- عضو فعال
- تاريخ التسجيل : 31/07/2014
رد: تفسير (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) للشيخ محمد بن صالح العثيمي رحمه الله
انار المولى قلبكك بالايمــان ..
ونفع بطرحكك المسلمين والمسلمات
عفاك البــاري ورعاكك ..
لكٍ شكري وتقديري
ونفع بطرحكك المسلمين والمسلمات
عفاك البــاري ورعاكك ..
لكٍ شكري وتقديري
|
بسمة العلوي- المديرة العامة النائبة الاولى
- تاريخ التسجيل : 05/10/2011
الموقع : /sirajinour.forummaroc.net
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الكهف لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الجزء الثاني
» الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» من أقوال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
» العلاّمة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فضْل تلاَوة القرآن وأنواعهَا ...الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
» الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» من أقوال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
» العلاّمة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فضْل تلاَوة القرآن وأنواعهَا ...الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى