الحمد الكامل لله وحده

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه، أما بعد
فلله تعالى الكمالات المطلقة التي لا يشوبها نقص، ولايعتورها خلل، كمالات مطلقة في أسمائه وصفاته، وأفعاله، وحكمته، وعزته، وعلمه وإحاطته، وقدرته ومشيئته، وخلقه وأمره قال الله تعالى: ( ليس كمثه شيء وهو السميع العليم )، ( ولله المثل الأعلى )، (وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم )، ( فلا تضربوا لله الأمثال ).
وبهذه الكمالات المطلقة استوجب جل وعلا الحمد المطلق المستغرق جميع المحامد في الأحوال كلها سرائها وضرائها خيرها وشرها، سرها وعلانيتها، واستوجب حمدا لا يحده زمان ولا مكان، فهو المحمود في الدنيا والآخرة، والمبدأ والمعاد، وفي الأولين والآخرين، عند أهل السماء وأهل الأرض، محمود على خلقه وملكه وتدبيره ووحدانيته وتشريعه، وعدله وفضله ورحمته، وكماله في صفاته وأفعاله، ومباينته لخلقه، محمود على إحيائه وإماتته، وإعطائه ومنعه، وقبضه وبسطه، وخفضه ورفعه.
حمد جل وعلا نفسه، وأمر خلقه بحمده، وأراهم من آياته ما يستوجب حمده، وحمده أنبياؤه ورسله وملائكته والمؤمنون من عباده، حمدا متضمنا لإثبات الكمال، والتنزيه عن النقص، والاعتراف بالفضل وشهود النعم، مع محبته والرضا عنه والخضوع له، وقد قرر القرآن العظيم ذلك كثيرا ، قال الله تعالى: (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ) وقوله: (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) وقوله: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ) وقوله: (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) وقوله: ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ) وقوله: ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) وقال عن أهل الجنة ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) وقال في فصل القضاء ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
وقال لنوح عليه السلام ( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).
وقال إبراهيم عليه السلام ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِين)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحمد الناس لربه، داعيا إلى حمده، ولهذا اختار الله له هذين الاسمين الكريمين محمدا وأحمد، ومن كان بربه أعرف فهو له أحمد.
فمن عرف هذا لم يسعه إلا تعظيم ربه وطاعته، والله بحمده والثناء عليه، والاستغناء به عما سواه، والتوجه إليه وحده بعباداته كلها محبة وخوفا ورجاء وذلا وخضوعا.
فعليك أيها المؤمن رعاية هذا المقام العظيم مقام الحمد، ففي حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (والحمد لله تملأ الميزان) رواه مسلم، قال القرطبي رحمه الله: ( الحمد راجع إلى الثناء على الله تعالى بأوصاف كماله فإذا حمد الله تعالى حامد مستحضرا معنى الحمد في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات)، ولهذا كان وصيةَ النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم عن سعد بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ أعْرَابيٌّ إِلَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَماً أقُولُهُ. قَالَ: (( قُلْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ للهِ كَثيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالِمينَ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ))، والحمد مدح لله بصفات الكمال، ولا أحد أحبَُّ إليه المدح من الله، روى الشيخان عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « لا أحد أحبَّ إِليه المَدْحُ من الله تعالى، من أجل ذلك مَدَحَ نَفْسَهُ».
د. عبدالعزيز بن محمد السعيد
موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله كل خير وبارك الله فيك

وانار الله قلبك بالايمان وطاعة الرحمن

اسأل المولي ان يثقل به موازين حسناتك