« أمي ، وذكرى أمي »

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في عتمة الليل تذكرت من كانت تسهر عند رأسي كل يوم وليلة ، دوما على استعداد وجاهدة لمنع ألمي ومعاناتي برسم قبلات على محياي .

على مقربة من سريري كانت تجلس القرفصاء ، وتذكرتها لما كانت تنام بقربي حين يطول نعاسي ،هي كحارسة أحلامي قبل أن تحرسني أنا من كل دخيل ودخيلة ومن كل عين تائهة .

تذكرت تلك التي ترمقني في غفلة من الزمن وأنا أخطو عكس عقارب الساعة ، كانت تتظاهر باللامبالاة وهي تضحك من إلى خطواتي المتثاقلة والمترنحة من مكان إلى مكان ، وكأنها غير مبالية في بحثي عن أبجديات المشي .

تذكرت أمي وذكرى أمي يوم كنت صبية وحين كبرت .

أنا اليتيمة رغم تواجدها بقربي ومعي ، وأنا الفقيدة والمفتقدة ، الفاقدة لحنان أمي رغم سباحتي في حنانها المتدفق واللامشروط ، والمفتقدة لشعورها رغم انسيابها في  حواسي وأحاسيس منذ ولدت .

أتخيل أمي وأبحث عنها في خيالي وفي أعماقي ، أتخيل خجلها واحمرار وجنتيها ، أتخيلها وجله على كرسي الأمومة ، أترقب دوما عودتها كلما دخلت البيت ولا أجدها لا أتخيل البيت من دونها ومن دون حرارة أنفاسها ، أبحث عنها في كل مكان بعقلي الصغير قبل أماكن البيت ، أناجيها في غفوتي وفي منامي ، أتنسم عطرها الفواح الفطري غير المصنع والذي لا ينسب لأي منتوج ، أشتاق رائحة مطبخها ، أميزه من بين آلاف مطابخ العالم ، أحن لنبرات صوتها ، لذبذبات موجاته وأمواجه .

كلما ضاعت صورة أمي من مخيلتي أبحث عنها في صورة امراة ، أي امرأة ، امرأة حنونة تعطف علي ، لست ضائعة في متاهة ولكنني رغم ذلك أبحث عن طريقي الذي أبصرته أمامي رغم ضبابية بصري ، لست تائهة ولا ضائعة ومع ذلك أبحث في ثنايى فؤادي عن حبي لأمي الذي تضيق لسعته الأرض .

الأمومة كنز لا يفنى وحبك لأمك لن تجده في قلوب نساء العالم ولا آبائها ، لن تجده في المطبخ السياسي ولا في صالونات الأدب والأدباء ولا في قاعات الإنتظار ولا على شاشة التلفاز ولا في برمجيات الكمبيوتر .

منذ كنت صغيرة ، ومنذ كنت أحبو كنت أناديها بماما - وما زلت - في غرفتها ، في إغماءة نومها ، في سباتها ، في استراحة تعبها ، في سقمها ، في سلامتها ، كانت دوما بلسمي السامي ، وملجئي وضيعتي الوارفة الظلال ، أناجيها في كل الحالات وأخلد للراحة في تواجدها وفي ذكراها .

قلمي هذا أسطر به ترانيم محبتي لأمي ، آملة أن تفك طلاسيمه وشفرته ، هي دوما القارئة النهمة والمثقفة الذكية ، العالمة بفنون الدرس والتحصيل ، حتى أسميتها مدرستي وأستاذتي الأولى ، ومعبدي المقدس .

صوت أمي أميزه من بين آلاف أصوات بنات حواء ، صوتها طابعه مميز عند أذني ودون وعي مني ، ينجذب لصوت أمي وهما يتناغمان ويتكاملان ، صوت أمي موسيقاه روحانية تستحوذ على مسامعي ، هي موسيقى ألفتها أذني وروحي ، هي سمفونية أمومتي ، يتجاذب فيها الحب والعطف والحنان والنصح والنصيحة ولدعاء الصادق والطيبوبة الأبدية .

أحيانا وفي غفلة من الزمن أتخيل موسيقى الأمومة وكأنها سمفونية خالدة ، سرمدية الألحان ، لا مكان فيها للآلات الموسيقية ولا النوطة ولا الميزان الموسيقي ، هي هذا الإحساس كله الغير المفهوم ، هو لحن يبحث من يؤديه ويتبارى في إبراز مفاتنه وسحره ومعالمه .

كلما غابت عني أمي واختفت معالمها ومحياها ، أتخيلها في كل نساء العالم وفي كل أنثى ، كلما غابت شمس اليوم وأظلمت دنياه من حولي تجدني أبحث عنها في كل عين امرأة لتضيئ عتمة سراديب نهاري وعتمة ليلي  ، وتنير لي طريقي المظلم ، وهما طالت رحلتي ومهما سقيت في حياتي وسعدت في بحثي إلا ومهد لي ذكرها وذكراها السبيل إلى النجاة وبلوغ بر الأمان والأمن .

أمي أيها البلسم الشافي

أنا المحتاجة إلى حبك وعطفك وحنانك

أنا المتيمة بذكرك وذكراك

أنا المشتاقة لصوتك وصورتك

أنا النادمة على فراقك ولو للحظة

أهنئك بعيدك ، فعيدك عيد كل أم غالية

 قبلها كرمك الله في كتابة العزيز وجعل الجنة تحت قدميك 

 أحتفل بك العالم  وخص لك يوما في السنة ، وهو قليل في حقك

أقبلك  .

أهديك وردا ، أهديك إكليلا  ، أهديك حبا وكلاما رقيقا ، أهديك حروفا ناصعة ومرصعة بالذهب الخالص عربون محبتي حتى تنامي مرتاحة البال وفي أمن وأمان .

أمهات العالم عيدكن عيد مبارك سعيد وكل عام وأنتن ياشقائق النعمان بألف خير .

بقلمي