الجنة تحت اقدام الامهات

**عاشق البحر** مراقب تاريخ التسجيل : 17/05/2009

الجنة تحت اقدام الامهات

لا يعرف التاريخ دينا ولا نظاما كرَّم المرأة باعتبارها أما وأعلى من مكانتها ، مثل الإسلام الذي أكد ان الإحسان إليها ورعايتها وإكرامها مرتبط بتوحيد الله وعبادته ، وجعل برها من اصول الفضائل كما جعل حقها أولى من حق الاب: لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية.. وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في اكثر من سورة ليثبته في اذهان الابناء ونفوسهم.. وذلك في مثل

قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنْ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير) ، (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ، وحمله وفًصاله ثلاثون شهراً).

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله:

من أحق الناس بحسن صحابتي؟

قال: أمك .

قال: ثم من؟

قال أمك .

قال: ثم من؟

قال: أمك .

قال: ثم من؟

قال: أبوك.

ويروي البزار ان رجلا كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟

قال: لا ، ولا بزفرة واحدة ،.. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.

وبرها يعني:

إحسان عشرتها وتوقيرها وخفض الجناح لها وطاعتها في غير المعصية والتماس رضاها في كل أمر. وقد رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يحمل أمه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة فقال: "يا ابن عمر أتراني وفيتها حقها ، قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرا".

مكانة الام

إن للأم مكانة غفل عنها جُل الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبة ، وعلينا جميعا ان نعلم ان الأم بحر من الخير والعطاء ، لطيفة المعشر ، نبع من الحنان لا ينضب ، تحتمل الجفوة وخشونة القول ، تعفو وتصفح قبل ان يُطلب منها ذلك ، تسهر على راحة الابناء.. تفرح لفرحهم وتحزن وتألم لمرضهم ، وتجوع ليشبعوا.

تقول عائشة رضي الله عنها:

جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت الى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقَّت التمرة التي كانت تريد ان تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله فقال:

"إن الله قد أوجب لها الجنة - او أعتقها من النار" رواه مسلم.

لطف العمالة

واوجب الاسلام على الابن ان يتكلم مع والديه وخاصة أمه بأدب ولطف.. وان يتجنب اي قول او فعل قد يسيء اليها او يؤذيها ، حتى ولو كانت كلمة ضجر او تذمر لأمر يضايقه من منها.. فلا يصح له ان يقول لأمه مثلا كلمة(أف)علامة على ضيقه او تذمره.. واذا رأى الابن ان أمه بحاجة الى قول ينفعها في امر دينها او دنياها فليقل لها ذلك بلطف وليعلمها بأدب ولين.. وعلى الابن ان يعمل كل ما في وسعه من اجل ادخال البهجة والسرور على قلب أمه.. ويكون ذلك بالاجتهاد في الدراسة والنجاح.. وان يتجنب كل قول او فعل مع اصدقائه وجيرانه قد تكون نتيجته ان يسب احدهم أمه او يسيء اليها ولو على سبيل الدعابة والمزاح.. وعلى الابن ان يكون مطيعا لأمه في كل ما تأمره به او تنهاه عنه طالما ان ذلك في حدود الشرع والدين.

وليتق الله من كانت في قلبه او نفسه غضاضة من أمه ، وليقدًّر لها حقها وبرَّها. ففي الصحيحين

يقول النبي: "إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات" ،

وعند احمد وابن ماجة ان النبي صلى الله عيله وسلم قال:

"إن الله يوصيكم في أمهاتكم" قالها ثلاثا ،

وعند الترمذي في جامعه عن النبي قال:

"إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء..

وذكر منها: وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه".

قصة وعبرة

يقول احدهم: بعد 21 سنة من زواجي ، وجدت بريقا جديدا من الحب.. فقد بدأت اخرج مع امرأة غير زوجتي ، وكانت هذه فكرة زوجتي ، حيث بادرتني بقولها: "اعلم جيدا كم تحبها.. ومتعلق بها.. لذلك فأنا اتنازل لك عن بعضْ من وقتي لها ، فاخرج معها متى تشاء".

المرأة التي ارادت زوجتي ان اخرج معها وأقضي وقتا معها كانت.. "أمي" التي ترملت منذ 19 سنة ، ولكن مشاغل العمل وحياتي اليومية و3 اطفال ومسؤوليات جعلتني لا ازورها إلا نادرا.

في يوم اتصلت بها ودعوتها إلى العشاء

سألتني: هل انت بخير؟

لأنها غير معتادة على مكالمات متأخرة نوعا ما وتقلق منها.

فقلت لها: نعم انا ممتاز ولكني اريد ان اقضي وقتا معك يا أمي.

قالت: نحن فقط؟،

فكرَت قليلا ثم قالت: أحب ذلك كثيرا.

في يوم ما ، وبعد العمل.. مررت عليها واصطحبتها ، كنت مضطربا قليلا. وعندما وصلت وجدتها هي ايضا قلقة. كانت

تنتظر عند الباب مرتدية ملابس جميلة ويبدو انها آخر ملابس قد اشتراها لها ابي قبل وفاته رحمه الله. ابتسمت أمي

كملاك وقالت:

قلت للجميع انني سأخرج اليوم مع إبني ، والجميع فرح ، ولا يستطيعون انتظار الاخبار التي سأقصها عليهم بعد عودتي.

ذهبنا الى مطعم جميل وهادئ.. امسكت أمي بذراعي وكأنها السيدة الأولى. وبعد ان جلسنا بدأتُ أقرأ لها قائمة الطعام حيث انها لا تستطيع قراءة الأحرف الصغيرة. وبينما كنت أقرأ كانت تنظر إليّ بابتسامة عريضة على شفتيها المجعدتين وقاطعتني قائلة:

كنت انا من أقرأ لك وانت صغير.

اجبتها: حان الآن موعد تسديد شيء من ديني بهذا الشيء.. ارتاحي انت يا أمي.

تحدثنا كثيرا اثناء العشاءعن قصص قديمة وقصص جديدة لدرجة اننا نسينا الوقت إلى ما بعد منتصف الليل. وعندما رجعنا ووصلنا إلى باب بيتها قالت:

اوافق ان اخرج معك مرة أخرى ، ولكن على حسابي. فقبّلت يدها وودعتها.

بعد ايام قليلة توفيت أمي بنوبة قلبية. حدث ذلك بسرعة كبيرة لم استطع عمل اي شيء لها.

وبعد عدة ايام وصلني عبر البريد ورقة من المطعم الذي تعشينا فيه انا وهي ، مع ملاحظة مكتوبة بخط يدها: دفعتُ الفاتورة مقدما ، كنت اعلم أنني لن اكون موجودة ، المهم دفعت العشاء لشخصين.. لك ولزوجتك. لأنك لن تقدر ما معنى تلك الليلة بالنسبة لي... أحبك ياولدي.

في هذه اللحظة فهمت وقدرت معنى كلمة "حب" او "أحبك". وما معنى ان نجعل الطرف الآخر يشعر بحبنا ومحبتنا هذه.

رضا الأم

وفي إطاعة الزوجة وعقوق الأم ماروي في زمن النبي عن شاب يسمى علقمة كان كثير الاجتهاد في طاعة الله.. في الصلاة والصوم والصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أن زوجها علقمة في النزاع. فأرسل النبي عمارا وصهيبا وبلالا ، ليلقنوه الشهادة. ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير ، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله.. ولسانه لاينطق بها ، فأخبروا الرسول بذلك. فقال صلى الله عليه وسلم: هل من ابويه من احد حيّ ؟

قيل : يارسول الله ، له أم كبيرة السن. فأرسل إليها.

وقال: يا أم علقمة أصدقيني ، وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى.. كيف كان حال ولدك علقمة؟

قالت: يارسول الله كثير الصلاة ، كثير الصيام ، كثير الصدقة. ولكني عليه ساخطة لأنه كان يؤثر علىَّ زوجته ويعصيني.

فقال: إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة. ثم طلب من بلال ان يجمع حطبا كثيرا.

فقالت: يارسول الله وماتصنع؟

قال: أحرقه بالنار بين يديك.

قالت: يارسول الله لايحتمل قلبي ان تحرق ولدي بالنار بين يدي.

قال: يا أم علقمة ، عذاب الله أشد وابقى.. فإن سرَّك ان يغفر الله له فارضي عنه ، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة.

فقالت: يارسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين ، أني قد رضيت عن ولدي علقمة.

فقال رسول الله: انطلق يابلال إليه انظر هل يستطيع ان يقول لا إله إلا الله ام لا ، فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني.

فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله.

ثم مات علقمة من يومه.. فحضره رسول الله فأمر بغسله ، وكفَّنه ثم صلى عليه وحضر دفنه.

ثم قال على شفير قبره: "يامعشر المهاجرين والأنصار من فضَّل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.. لايقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها ، فرضى الله في رضاها وسخط الله في سخطها".

قالوا في الأم

الأم تبقي كما هي.. في حياتها وبعد موتها ، وفي صغرها وكبرها ، فهي عطر يفوح شذاه ، وزهر يشم رائحته الأبناء ، وأريج يتلألأ في وجوه الآباء ، ودفء وحنان وأمان ، ومحبه ومودة ، ورحمه وألفه ، وبحر عطاء ومدرسة ، وهي المربية الحقيقية للأجيال الناشئة. لذا فقد ذكرها الكثير من العلماء والشعراء ، واجزلت الامثال العربية وغيرها في مدحها وبيان مكانتها ، ونورد هنا بعضا منها:

واخضع لأمك وارضها.. فعقوقها إحدى الكبر . (الامام الشافعي)

الأم مدرسة إذا اعددتها.. اعددت شعبا طيب الاعراق. (حافظ إبراهيم)

العيش ماض فأكرم والديك به.. والأم أولى بإكرام وإحسان . (أبو العلاء المعري)

أحن إلى الكأس التي شربَت بها.. وأهوى لمثواها التراب وما ضما. (المتنبي)

ليست في العالم وسادة أنعم من حضن الأم. (شكسبير)

إني مدين بكل ما وصلت إليه ، وما ارجو ان اصل إليه من الرفعة الى أمي الملاك . (لينكولن)

أهون على الإنسان لو يفقد ابا غنيا من ان يفقد أما فقيرة. (مثل إيطالي)

إذا مات ابوك فحضن الأم هو وسادتك ، وإذا ماتت أمك ، فستنام على عتبة الدار. (مثل مغربي)

في ايام اليسر ليس لك غير الاب ، وفي ايام العسر ليس لك غير الأم. (مثل هندي)

يمكن هجر الاب ولو كان قاضيا ، ولا يمكن هجر الأم ولو كانت متسولة. (مثل صيني)

إذا ماتت الأم اصبح الاب أعمى .(مثل استوني).