المواضيع الأخيرة
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 07:35
» Sondos
الأربعاء 28 أغسطس 2024, 01:17
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 23:02
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 04:44
» Sondos
الثلاثاء 27 أغسطس 2024, 01:06
» Sondos
الإثنين 26 أغسطس 2024, 20:57
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 23:20
» Sondos
الأحد 25 أغسطس 2024, 19:57
» Sondos
الثلاثاء 20 أغسطس 2024, 22:17
» Sondos
الإثنين 19 أغسطس 2024, 17:59
المواضيع الأكثر نشاطاً
بيان شمولية القرآن الكريم
بيان شمولية القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بيان شمولية القرآن الكريم
لقد تميَّز كتاب الله تعالى بصفاتٍ وخصائص لم تَكُن لكتابٍ سماويٍّ سواه؛ فمِن هذه الخصائص:
1 - أنَّه كلام الله وحده.
2 - التيسير للتِّلاوة والحِفظ، والفَهْمِ والعمل.
3 - الإعجاز بكل أنواعِه: البلاغي، والتَّشريعي، والموضوعي، والعِلْمي.
4 - الخلود على مرِّ العصور والأجيال.
5 -
الشُّمول لكلِّ مناحي الحياة الإنسانيَّة؛ فهو كتاب الدِّين كلِّه،
والدنيا أيضًا، ولْنَقف هنا وقفة بسيطة مع الخصِّيصية الخامسة، ألا وهي
شمولية القرآن.
• شمولية القرآن:
لَم
يَقِف القرآنُ الكريم عند واحدٍ من الجوانب الإنسانيَّة، بل إنَّه تحدَّث
بشموليةٍ إعجازيةٍ بديعةٍ عن كلِّ الجوانب التي يحتاج الإنسانُ إليها؛
وخاصة في الجوانب الدِّينية والتعبُّدية؛ لأنَّها مجالاتٌ متعدِّدة لذلك
شَمِلَها القرآن في ثنايا حديثه وآياته:
1 - الشُّمول العقدي:
يتمثَّل هذا الشُّمول ببيان حقيقة توحيد الله - سبحانه وتعالى - بصورة واضحة؛ وذلك ببيان ذاتِه، وأسمائه وصفاتِه - سبحانه وتعالى.
وبيان سائر أركان الإيمان الستة: ((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاءِ والقدَر)).
كما
يتمثَّل في ربط الكون والإنسان والحياة بالله - سبحانه وتعالى - ومن ثمرات
هذا الشُّمول أنَّ الإنسان يشعر برقابة الله تعالى له في جميع أقواله
وأفعاله، فيولد في نفسه عنصر النَّقد الذاتيِّ والمُحاسبة الذاتيَّة، ومِن
ثَمَّ فالمسلم يُخْلِص لله في عمله، ويخلص لله في عبادته، ويلتزم بأوامر
الله، ويجتنب نواهِيَه.
* * *
2 - الشمول التشريعي:
يتضمَّن
القرآن الكريم تشريعًا كاملاً لِمُختلف مناحي الحياة، فيشمل: العبادات،
والمعاملات، والعقوبات، والسِّياسة الخارجية، ومُعاهَدات السِّلم والحرب
والحياد، وسائر الأنظمة التي يقوم عليها المُجتمَع، ويتَّصِف هذا التشريع
القرآنِيُّ بصفتين رئيسيتين، وهما: العموميَّة والدَّيمومة[1].
ولِهذا جَعَلَه الله للناس كلِّهم وللعالَمين: دُستورًا هاديًا وشافيًا، وجعله خالدًا دائمًا على مرِّ الزمان والأجيال.
فالقرآنُ
دستورٌ شامل، وصَفَه مُنَزِّله - وهو ربُّ العالمين - بأنه تبيانٌ لكلِّ
شيء؛ فقد خاطب الرسول المُنَزَّل عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
وقد قال الخليفة الأوَّل: "لو ضاع منِّي عِقالُ بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله".
ومن
هنا يتَّضِح لنا كَمالُ القرآن في هدايته وشُموله، وعظَمة بلاغته وأسلوبه؛
ولذا فإنَّ علينا دوامَ تلاوته وفهمه، مع كون العمل به مِن آكَدِ فرائضه.
3 - الشُّمول الخطابي للنَّفس الإنسانيَّة:
ومعنى
ذلك أنَّ القرآن شَمِل في خطابه العَقْل والوجدان والعاطفة؛ لأنَّ القرآن
الكريم حين يدعو إلى العقيدة الصحيحة في الله، وفي كلِّ ما جاء عنه، وحين
يدعو إلى التزام تشريعٍ معيَّنٍ في عباداتنا أو معاملتنا أو نظُمِنا
الاجتماعية، وحين يدعو إلى الخلق الكريم، والأدب الحميد، واتِّخاذ ذلك
منهجًا لنا في سلوكنا الشخصيِّ مع الله ومع الناس... حين يدعو القرآنُ إلى
هذا كلِّه، لا يدعو إليه دعوةً جافَّة خشنة، ليس فيها إلا مجرَّد الأمر
الصارم، أو النَّهي العنيف، وإنَّما يدعو إليه دعوة الحِكْمة العاقلة،
فيورده بأسلوب الأمر أو النهي، مقرونًا بوسائل الإقناع بصِدْقه، وصلاحيته،
وحُسْنِ عاقبته.
• ووسائل الإقناع متعدِّدة:
فتارةً يكون الإقناع عن طريق العقل، وتارةً يكون عن طريق الوجدان، وتارة ثالثة يكون عن طريق العاطفة.
ولقد سلَك القرآن الكريم في دعوته هذه الطُّرقَ الثلاثة:
1 - خاطَبَ العقل:
لأنَّ مِن الناس من لا يؤمن إلاَّ بالدليل العقلي، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا
لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].
وقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].
وكِلْتا
الآيتين دليل منطقيٌّ واضح يدركه من له إلمامٌ بأساليب المَناطِقَة في
استدلالهم، ويدركه كلُّ من له عقلٌ يعي، ولو لم يكن على علمٍ بأسلوب
المناطقة, ثم هناك آيات لله في السَّماوات وفي الأرض وفي أنفُسِنا، وكلها
براهينُ عقليَّة، تشهد بوجود الله وربوبيَّتِه.
والقرآن الكريم - في أكثرَ مِن آية - يلفت أنظارنا إلى هذه الدلائل والبراهين؛ حتَّى تقوم الحجة لله على الناس.
2 - خاطَبَ القرآنُ الوجدانَ:
لأنَّ
مِن الناس مَن لا يُحفِّزه إلى الانقياد والطاعة إلاَّ ما يحرِّك وجدانه،
ويثير فيه جانب الرغبة أو الرهبة، فإذا ما أمر بِمَعروفٍ، وقرن الأمر
بالترغيب، رغِبَت نفسه في الامتثال؛ أملاً في الثَّواب، وإذا ما نهى عن
منكرٍ وقرَن النَّهي بالترهيب كفَّ نفسه عنه؛ رهبةً من الوقوع تحت طائلة
العقاب.
وكثيرًا
ما نجد في القرآن الكريم آياتٍ تحرِّك في الوجدان نوازِعَ الخير بما
تضمَّنَته من وعد بسعادة الدُّنيا ونعيم الآخرة، وآيات أخرى تحطِّم في
الوجدان نوازعَ الشَّر بما تضمَّنَته من وعيدٍ بشقاء الدُّنيا وعذاب
الآخرة.
- فمِن الآيات التي تحرِّك في الوجدان نوازع الخير، وتَبْعث على امتثال الأوامر الإلهيَّة:
قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
وقولُه تعالى: ﴿ مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [النساء: 13].
- ومن الآيات التي تحطِّم في الوجدان نوازع الشرِّ، وتَبْعث في النفس الخوفَ من الوقوع فيما نَهى الله عنه:
قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا
الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ
يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ
النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [السجدة: 20].
3 - خاطَبَ القرآنُ العاطفة:
لأنَّ من الناس من لا يستجيب لدعوة الخير إلاَّ إذا خُوطب بما يهزُّ عاطفته، ويوقظ في نفسه كوامنَ الحب والشفَقة والرحمة.
وفي
القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تدعو إلى عمل البِرِّ والخير، وأُخرى تنهى عن
ارتكاب بعض ما لا يليق بالإنسان، وهذه وتلك مقرونةٌ بما ينبِّه العواطف
الإنسانيَّة ويثيرها حتَّى تكون المُحرِّك الدافع لفعل الخيرات
والصَّالحات، والمثبِّط عن ارتكاب الحماقات والموبقات.
- فمن الآيات المقترنة بما يحرك العواطف الدافعة إلى فعل الخيرات والصالحات:
قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23 - 24].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].
- ومن الآيات المَقْرونة بما يحرك العواطف المعوقة عن ارتكاب الحماقات والموبقات:
قوله تعالى: ﴿ وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ
إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20 - 21].
وقوله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].
وهكذا يُخاطب القرآنُ الكريم العقلَ والوجدان والعاطفة؛ حتَّى يصل إلى القلوب بتعاليمه ومفاهيمه من كلِّ هذه النوافذ.
وتلك رحمةٌ من الله بعباده الذين شرَحوا صدورهم للقرآن، ولم يصدُّوا دونه هذه المنافذَ، ويضعوا عليها أقفالاً من المُكابرة والعناد[2].
هكذا
نرى الشُّمولية القرآنيَّة البديعة في أسلوبه البديع البليغ، الذي جمع بين
العقل المفكِّر والوجدان الذي تلهبه النَّوازع، والعاطفة التي تحرِّكها
البواعث والغرائز.
وهكذا
نجد القرآن كله مزيجًا حلوًا سائغًا، يخفِّف على النفوس أنْ تَجْرع الأدلة
العقلية، ويرفِّه عن العقول باللَّفتات العاطفية، ويوجِّه العقول والعواطف
معًا جنبًا إلى جنب؛ لهداية الإنسان وخير الإنسان[3].
[1] "أضواء على إعجاز القرآن الكريم"؛ للشيخ عكرمة صبري.
[2] "الوحي والقرآن"؛ للدكتور محمد حسين الذهبي.
[3] "مناهل العرفان"؛ للشيخ الزرقاني.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة
لقد تميَّز كتاب الله تعالى بصفاتٍ وخصائص لم تَكُن لكتابٍ سماويٍّ سواه؛ فمِن هذه الخصائص:
1 - أنَّه كلام الله وحده.
2 - التيسير للتِّلاوة والحِفظ، والفَهْمِ والعمل.
3 - الإعجاز بكل أنواعِه: البلاغي، والتَّشريعي، والموضوعي، والعِلْمي.
4 - الخلود على مرِّ العصور والأجيال.
5 -
الشُّمول لكلِّ مناحي الحياة الإنسانيَّة؛ فهو كتاب الدِّين كلِّه،
والدنيا أيضًا، ولْنَقف هنا وقفة بسيطة مع الخصِّيصية الخامسة، ألا وهي
شمولية القرآن.
• شمولية القرآن:
لَم
يَقِف القرآنُ الكريم عند واحدٍ من الجوانب الإنسانيَّة، بل إنَّه تحدَّث
بشموليةٍ إعجازيةٍ بديعةٍ عن كلِّ الجوانب التي يحتاج الإنسانُ إليها؛
وخاصة في الجوانب الدِّينية والتعبُّدية؛ لأنَّها مجالاتٌ متعدِّدة لذلك
شَمِلَها القرآن في ثنايا حديثه وآياته:
1 - الشُّمول العقدي:
يتمثَّل هذا الشُّمول ببيان حقيقة توحيد الله - سبحانه وتعالى - بصورة واضحة؛ وذلك ببيان ذاتِه، وأسمائه وصفاتِه - سبحانه وتعالى.
وبيان سائر أركان الإيمان الستة: ((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاءِ والقدَر)).
كما
يتمثَّل في ربط الكون والإنسان والحياة بالله - سبحانه وتعالى - ومن ثمرات
هذا الشُّمول أنَّ الإنسان يشعر برقابة الله تعالى له في جميع أقواله
وأفعاله، فيولد في نفسه عنصر النَّقد الذاتيِّ والمُحاسبة الذاتيَّة، ومِن
ثَمَّ فالمسلم يُخْلِص لله في عمله، ويخلص لله في عبادته، ويلتزم بأوامر
الله، ويجتنب نواهِيَه.
* * *
2 - الشمول التشريعي:
يتضمَّن
القرآن الكريم تشريعًا كاملاً لِمُختلف مناحي الحياة، فيشمل: العبادات،
والمعاملات، والعقوبات، والسِّياسة الخارجية، ومُعاهَدات السِّلم والحرب
والحياد، وسائر الأنظمة التي يقوم عليها المُجتمَع، ويتَّصِف هذا التشريع
القرآنِيُّ بصفتين رئيسيتين، وهما: العموميَّة والدَّيمومة[1].
ولِهذا جَعَلَه الله للناس كلِّهم وللعالَمين: دُستورًا هاديًا وشافيًا، وجعله خالدًا دائمًا على مرِّ الزمان والأجيال.
فالقرآنُ
دستورٌ شامل، وصَفَه مُنَزِّله - وهو ربُّ العالمين - بأنه تبيانٌ لكلِّ
شيء؛ فقد خاطب الرسول المُنَزَّل عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
وقد قال الخليفة الأوَّل: "لو ضاع منِّي عِقالُ بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله".
ومن
هنا يتَّضِح لنا كَمالُ القرآن في هدايته وشُموله، وعظَمة بلاغته وأسلوبه؛
ولذا فإنَّ علينا دوامَ تلاوته وفهمه، مع كون العمل به مِن آكَدِ فرائضه.
3 - الشُّمول الخطابي للنَّفس الإنسانيَّة:
ومعنى
ذلك أنَّ القرآن شَمِل في خطابه العَقْل والوجدان والعاطفة؛ لأنَّ القرآن
الكريم حين يدعو إلى العقيدة الصحيحة في الله، وفي كلِّ ما جاء عنه، وحين
يدعو إلى التزام تشريعٍ معيَّنٍ في عباداتنا أو معاملتنا أو نظُمِنا
الاجتماعية، وحين يدعو إلى الخلق الكريم، والأدب الحميد، واتِّخاذ ذلك
منهجًا لنا في سلوكنا الشخصيِّ مع الله ومع الناس... حين يدعو القرآنُ إلى
هذا كلِّه، لا يدعو إليه دعوةً جافَّة خشنة، ليس فيها إلا مجرَّد الأمر
الصارم، أو النَّهي العنيف، وإنَّما يدعو إليه دعوة الحِكْمة العاقلة،
فيورده بأسلوب الأمر أو النهي، مقرونًا بوسائل الإقناع بصِدْقه، وصلاحيته،
وحُسْنِ عاقبته.
• ووسائل الإقناع متعدِّدة:
فتارةً يكون الإقناع عن طريق العقل، وتارةً يكون عن طريق الوجدان، وتارة ثالثة يكون عن طريق العاطفة.
ولقد سلَك القرآن الكريم في دعوته هذه الطُّرقَ الثلاثة:
1 - خاطَبَ العقل:
لأنَّ مِن الناس من لا يؤمن إلاَّ بالدليل العقلي، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا
لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].
وقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].
وكِلْتا
الآيتين دليل منطقيٌّ واضح يدركه من له إلمامٌ بأساليب المَناطِقَة في
استدلالهم، ويدركه كلُّ من له عقلٌ يعي، ولو لم يكن على علمٍ بأسلوب
المناطقة, ثم هناك آيات لله في السَّماوات وفي الأرض وفي أنفُسِنا، وكلها
براهينُ عقليَّة، تشهد بوجود الله وربوبيَّتِه.
والقرآن الكريم - في أكثرَ مِن آية - يلفت أنظارنا إلى هذه الدلائل والبراهين؛ حتَّى تقوم الحجة لله على الناس.
2 - خاطَبَ القرآنُ الوجدانَ:
لأنَّ
مِن الناس مَن لا يُحفِّزه إلى الانقياد والطاعة إلاَّ ما يحرِّك وجدانه،
ويثير فيه جانب الرغبة أو الرهبة، فإذا ما أمر بِمَعروفٍ، وقرن الأمر
بالترغيب، رغِبَت نفسه في الامتثال؛ أملاً في الثَّواب، وإذا ما نهى عن
منكرٍ وقرَن النَّهي بالترهيب كفَّ نفسه عنه؛ رهبةً من الوقوع تحت طائلة
العقاب.
وكثيرًا
ما نجد في القرآن الكريم آياتٍ تحرِّك في الوجدان نوازِعَ الخير بما
تضمَّنَته من وعد بسعادة الدُّنيا ونعيم الآخرة، وآيات أخرى تحطِّم في
الوجدان نوازعَ الشَّر بما تضمَّنَته من وعيدٍ بشقاء الدُّنيا وعذاب
الآخرة.
- فمِن الآيات التي تحرِّك في الوجدان نوازع الخير، وتَبْعث على امتثال الأوامر الإلهيَّة:
قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
وقولُه تعالى: ﴿ مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [النساء: 13].
- ومن الآيات التي تحطِّم في الوجدان نوازع الشرِّ، وتَبْعث في النفس الخوفَ من الوقوع فيما نَهى الله عنه:
قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا
الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ
يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ
النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [السجدة: 20].
3 - خاطَبَ القرآنُ العاطفة:
لأنَّ من الناس من لا يستجيب لدعوة الخير إلاَّ إذا خُوطب بما يهزُّ عاطفته، ويوقظ في نفسه كوامنَ الحب والشفَقة والرحمة.
وفي
القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تدعو إلى عمل البِرِّ والخير، وأُخرى تنهى عن
ارتكاب بعض ما لا يليق بالإنسان، وهذه وتلك مقرونةٌ بما ينبِّه العواطف
الإنسانيَّة ويثيرها حتَّى تكون المُحرِّك الدافع لفعل الخيرات
والصَّالحات، والمثبِّط عن ارتكاب الحماقات والموبقات.
- فمن الآيات المقترنة بما يحرك العواطف الدافعة إلى فعل الخيرات والصالحات:
قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23 - 24].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].
- ومن الآيات المَقْرونة بما يحرك العواطف المعوقة عن ارتكاب الحماقات والموبقات:
قوله تعالى: ﴿ وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ
إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20 - 21].
وقوله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].
وهكذا يُخاطب القرآنُ الكريم العقلَ والوجدان والعاطفة؛ حتَّى يصل إلى القلوب بتعاليمه ومفاهيمه من كلِّ هذه النوافذ.
وتلك رحمةٌ من الله بعباده الذين شرَحوا صدورهم للقرآن، ولم يصدُّوا دونه هذه المنافذَ، ويضعوا عليها أقفالاً من المُكابرة والعناد[2].
هكذا
نرى الشُّمولية القرآنيَّة البديعة في أسلوبه البديع البليغ، الذي جمع بين
العقل المفكِّر والوجدان الذي تلهبه النَّوازع، والعاطفة التي تحرِّكها
البواعث والغرائز.
وهكذا
نجد القرآن كله مزيجًا حلوًا سائغًا، يخفِّف على النفوس أنْ تَجْرع الأدلة
العقلية، ويرفِّه عن العقول باللَّفتات العاطفية، ويوجِّه العقول والعواطف
معًا جنبًا إلى جنب؛ لهداية الإنسان وخير الإنسان[3].
[1] "أضواء على إعجاز القرآن الكريم"؛ للشيخ عكرمة صبري.
[2] "الوحي والقرآن"؛ للدكتور محمد حسين الذهبي.
[3] "مناهل العرفان"؛ للشيخ الزرقاني.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة
|
Admin- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 19/04/2009
العمل/الترفيه : مهندس
الموقع : www.ahladalil.net
رد: بيان شمولية القرآن الكريم
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد ♥
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
|
GeeGee- المديرة العامة النائبة الاولى
- تاريخ التسجيل : 17/04/2010
رد: بيان شمولية القرآن الكريم
بارك الله فيك على الموضوع المفيد
وجعله الله في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري
وجعله الله في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري
|
ritouja- مديرة منتدى
- تاريخ التسجيل : 18/11/2011
مواضيع مماثلة
» القرآن الكريم
» القرآن الكريم
» واذا سالك عبادي عني....رائعة من روائع بيان القران الكريم
» القرآن الكريم
» القرآن الكريم
» القرآن الكريم
» واذا سالك عبادي عني....رائعة من روائع بيان القران الكريم
» القرآن الكريم
» القرآن الكريم
إنشاء حساب أو تسجيل الدخول لتستطيع الرد
تحتاج إلى أن يكون عضوا لتستطيع الرد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى